اضطراب إسرائيلي من الحشد الروسي في المتوسط

thumb
حجم الخط

شرعت إسرائيل في التململ من الوجود العسكري الروسي في سوريا والبحر المتوسط وصارت تتحدّث عن أخطاره. وعدا واقع أن الوجود الروسي يُعزّز أساساً من قوة النظام السوري وإيران و «حزب الله»، فإن القلق صار يتزايد من أثر هذا الوجود على هامش حركة الطيران الإسرائيلي. ويرى عسكريون أن وجود حاملة الطائرات الروسية، الأدميرال «كوزنتسوف»، ونشر بطاريات صواريخ أرض جو من طرازي «إس 300» و «إس 400» يخلق في المنطقة نظاماً إقليمياً جديداً.
وأشار مُعلّقون عسكريون إسرائيليون إلى أن وصول حاملة الطائرات إلى البحر المتوسط سوف يُؤثّر بشكل كبير على نشاط سلاح الجو في الدولة العبرية. ويُبدي ضباط كبار تقديرهم بأن وجود حاملة الطائرات الروسية كجزء من أسطول بحري كبير متوجّه إلى المنطقة، سيفرض قيوداً على النشاطات السريّة والعلنية الإسرائيلية ضدّ كل من سوريا ولبنان.
وحسب التقديرات، فإن «الأدميرال كوزنتسوف» ستصل إلى السواحل السورية خلال أسبوع، وعند وصولها سوف تتضرّر بشكل كبير عملية تشغيل منظومة الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، وكذلك مروحيات الدورية البحرية. والحاملة، بالإضافة إلى قطع بحرية ستُرافقها، ستشرع بتنظيم دوريات بحريّة وجويّة، وكذلك تشغيل رادارات مُتطوّرة وأجهزة حرب الكرتونية. وكل هذه الفعاليات ستُحسّن بشكل كبير من أداء القوات الروسية وقدرتها على اكتشاف وتشخيص كل الأهداف البحريّة والجويّة. ومعروف أن حاملة الطائرات الروسية هذه يبلغ طولها 300 متر وعرضها 70 متراً، وهي تحمل عشرات الطائرات الحربية والمروحيات وطاقماً يحوي ألفي جندي وضابط.
ومعروف أن إسرائيل تفاخرت قبل أشهر بنجاحها في التوصّل إلى اتفاق مع روسيا حول آلية لتنسيق الطلعات الجوية بغرض منع التصادم بين سلاحي الجو في الدولتين فوق سوريا. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن آلية التنسيق هذه، أفلحت في البداية في تأكيد ذاتها، ولكن التعاون بدأ في التراجع بعدما رسّخت روسيا وقوفها إلى جانب النظام السوري. وأشارت تقارير إلى أن روسيا عزّزت منظومة الدفاع الجوي السورية ما قاد قبل شهر إلى استخدام هذه المنظومة في التصدّي للطائرات الإسرائيلية.
وأوضحت مصادر إسرائيلية أن هناك إشارات مُتعدّدة لتراخي التنسيق بين إسرائيل وروسيا في سوريا. وأول هذه الإشارات، تغلغل طائرة روسية من دون طيار في أجواء الجولان السوري المحتلّ، وبعد ذلك جاء تصدّي الصواريخ السورية للطائرات الإسرائيلية. وبسبب محاولة سوريا التصدّي للطائرات الإسرائيلية، فهمت قيادة الجيش الإسرائيلي أن الوضع في المجال الجوي السوري تغيّر، وأن الجيش السوري يستجمع ثقة بالنفس جرّاء الدعم الروسي.
وهناك اعتقاد في إسرائيل بأن الأجواء سوف تحتدم عالمياً بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعلى الرغم من أن روسيا لا تُبدي عداء مُحدّداً لإسرائيل، إلا أنها تعتبرها ممثل أميركا في المنطقة، ما يستدعي من الجيش الإسرائيلي قدراً أكبر من الاتزان في التعاطي مع الظروف الجديدة. وترى جهات إسرائيلية أن وجود أفيغدور ليبرمان في وزارة الدفاع يُسهّل العلاقات الإسرائيلية ـ الروسية، ويمنع تفاقمها الميداني بسبب علاقاته الروسية ونظرته الاستراتيجية.
من جانبه، رأى المُعلّق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن ما كشفت عنه خريطة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، أخيراً، حول استكمال تعزيزها لدفاعاتها الجوية بمنظومات «إس 300» و «إس 400»، يعني أن منظوماتها تُغطّي أجواء لبنان وجزءاً كبيراً من الأراضي التركية والأردن وشرق حوض المتوسط إلى ما وراء قبرص وصولاً إلى النقب الشمالي في فلسطين المحتلة.
وبحسب رأيه، فإن «البنتاغون» يجد صعوبة في التوقّع ما إذا كان يُمكن دخول الطائرات والصواريخ إلى مجال الاسقاط. يُمكن القول إن الأميركيين طوّروا قدرة تكنولوجية تُمكّنهم من تشويش الأمر. ولكن «واشنطن بوست» تقول إن الأجهزة الروسية تُقيّد قدرة القصف من الجو للأهداف العسكرية للنظام السوري. وفي نفس الوقت، تصعب على ايجاد مجالات جوية محمية، ممنوعة من الطيران، والتي أيّد وجودها مؤخراً المُرشّحان للرئاسة، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب.
ويرى هارئيل أن للتعزيزات الروسية تأثير على اسرائيل أيضاً، حيث أنه حسب وسائل الاعلام الأجنبية، قامت اسرائيل بالقصف الجوي مرّات كثيرة تجاه قوافل السلاح من سوريا لـ «حزب الله». وحسب الخريطة، فإن الطائرة الاسرائيلية لا يُمكنها الإقلاع من موقع «تل نوف» بالقرب من «رحوبوت» من دون أن تُلاحظها الرادارات الروسية. ومنذ تدمير الصواريخ السورية المُضادّة للطائرات في العام 1982، يحظى سلاح الجو الاسرائيلي بالتفوّق الجوّي المُطلق، وكذلك حرية العمل المُطلقة في الساحة الشمالية. وقد انتهت هذه القصة في اللحظة التي قرّرت فيها موسكو تعزيز دفاعاتها الجوية في منطقة طرطوس.
لقد قيّد الروس، من دون جهد تقريباً، سلاح الجو الأقوى في الشرق الاوسط. وهذا التقييد ليس عسكرياً فقط، بل سياسي أيضاً. أقامت اسرائيل وروسيا أجهزة تنسيق مُشتركة من أجل عدم حصول صدام جوي بينهما، والتقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أربع مرات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كانت النيّة المُعلنة هي منع الصدام في سماء سوريا. وقد تبنّى نتنياهو من دون وجود خيار آخر، الحب الروسي. ولكن فعلياً، هذه القصة الرومانسية هي مثل ملاحقة ترامب الفظّة للنساء اللواتي سقطن بين مخالبه. هذا تقرّب مفروض، اضطرت اسرائيل للموافقة عليه منذ قرّر الوحش الروسي دخول ساحتها الخلفية.