قبل الخوض فيما سميت أو عرفت قبل أيام بأنها مبادرة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الأخ رمضان عبد الله شلّح، لإنهاء الانقسام الداخلي، لابد من القول بأن طرح المبادرة بمناسبة ذكرى تأسيس حركة الجهاد، كذلك ما أعقبها من تظاهرة لحراك " وطنيون من اجل إنهاء الانقسام " ما يؤكد أن الانقسام ما زال رأس حربة التراجع على كافة الصعد في الحالة الفلسطينية، وان العجز الداخلي عن وضع حد لها، بعد مرور نحو عشر سنوات، يوزع حالة الإحباط في كل زوايا وأركان البيت الفلسطيني .
المهم في الأمر، أن حالة اليأس والعجز عن وضع حد للانقسام، يبدو أنها طالت المستوى السياسي الأول في إطار النخبة السياسية، ليس تلك التي تمثل قطبي المعادلة، اللذين يبدو أنهما تعايشا مع حالة الانقسام، أو حتى أنهما ذهبا إليها بأقدامهما، حيث بدت لهما " أهون " الشرين، أي أنها أفضل من حالة الشراكة في الحكم بين "ضرتين"، بل إن اليأس والإحباط وصل إلى من يمكن القول بأنه بمنأى عن التسبب أو المشاركة في إحداث تلك الحالة، رغم انه سياسيا اقرب لهذا الطرف من ذاك .
رغم أن فصائل أعلنت تأييدها للمبادرة، إلا أن المبادرة نفسها، لم تحدث اهتماما واضحا، فضلا عن إحداث الجدل الداخلي، ليس في صفوف طرفي المعادلة الداخلية وحسب، بل وحتى في أوساط المتابعين والمحللين السياسيين، وما كان ذلك _ برأينا _ إلا ناجما عن متن المبادرة نفسها، والتي _ رغم احترامنا لشخص مطلقها، لم تكن جدية، ولم تتضمن شيئا جديدا أو مقترحا حقيقيا للدخول في ممر إنهاء الانقسام نفسه.
مبادرات الصلح _ عادة _ حين تجيء من وسطاء، أو من محايدين أو حتى من قبل أناس، ليسوا طرفا في نزاع أو خصومة، تكون بعد اتصال بالطرفين للوقوف عند مطالب أو شروط كليهما، ومحاولة التوفيق بينهما، بمقترح يجمع بينهما أولا، ثم الاستماع لهما، ومن ثم تقديم الاقتراحات، أي انه بصريح العبارة، ما كان على مبادرة شلّح أن تتضمن مطالبة طرف أو حتى الطرفين باتخاذ مواقف سياسية محددة، حتى يتم البدء " بتطبيق " المبادرة !
فقد ولدت مبادرة شلّح ميتة برأينا، منذ أن وضعت أول بنودها الذي يطالب السلطة بإعلان التحلل من أوسلو، وإلغاء الاعتراف بإسرائيل، حيث من المعروف أن هناك خلافا سياسيا داخل الساحة الفلسطينية على أولوية أدوات الصراع وأشكاله، رغم أن الانقسام الداخلي جاء على خلفية الصراع على السلطة وليس بدافع الاختلاف على أيهما أولا أو أهم : المفاوضات أم المقاومة !
وكأن أمين عام الجهاد الإسلامي، يبرئ أولاً حماس من كونها المتسبب بالانقسام، بدافع التفرد بالسلطة، ويجعل إنهاء الانقسام وقفا على " إعلان " السلطة إلغاء أوسلو، وحين لا تفعل السلطة هذا تكون هي المسؤولة عن استمرار حالة الانقسام .
بهذه المناسبة، لا بد من كلمة حق، وبهدوء بعيدا عن الصخب والشعارات، مفادها التذكير بأن مفاوضات أوسلو أعقبت أو ترافقت مع مفاوضات مدريد، وحققت مسارا أفضل من مدريد للجانب الفلسطيني، حيث كانت إسرائيل / شامير في مدريد ترفض وجود وفد أو طرف فلسطيني، فيما جاءت أوسلو لتفاوض عبره إسرائيل م ت ف، وتتبادل معها رسائل الاعتراف، وان مفاوضات مدريد وأسلو جاءت عقب حرب الخليج الأولى ونشوء حالة ضغط شعبية عربية على أميركا التي كانت تكيل بمكيالين، وبعد انطلاق انتفاضة العام 1987، وبعد عقود من الكفاح المسلح، أي أن أوسلو ومن ثم السلطة كانت ثمرة كفاح، وان كانت هناك مشكلة فهي في عدم تحول السلطة من مشروع دولة إلى دولة، ومن إكمال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ثم في ترهل وبيروقراطية السلطة بعد حدوث الانقسام، بسبب تعطيل السلطة التشريعية وعجزها عن مراقبة ومتابعة عمل السلطة التنفيذية .
وإلا لم شاركت حماس في انتخابات عام 2006، وشكلت حكومة السلطة العاشرة، وما زالت تبقي على الانقسام بسبب تشبثها بحكم غزة؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر، يفترض فيمن كان بمكانة وقيمة أمين عام الجهاد، وهو المعروف بحنكته ووعيه واتساع افقه، أن يفكر في اليوم بل اللحظة التالية لإعلان إلغاء أوسلو من قبل الجانب الفلسطيني، ورد فعل إسرائيل التي تعربد رغم ما يظهره الجانب الفلسطيني من تمسك بالاتفاقيات ومن رغبة في السلام، فما بالنا لو انه منحها ورقة القول بان الفلسطينيين جميعا، أعلنوا الحرب ؟ ! ألن تقوم إسرائيل بإعادة احتلال الضفة الغربية وبسحق غزة ؟ !
شيء من الخبث السياسي لابد من التمتع به من قبل القادة الفلسطينيين، تماما كما يفعل القادة الإسرائيليون، أي أن تفعل على الأرض وفي الواقع ما تريد، دون أن تثير غضب الدنيا عليك، بعيدا عن دراما السياسة، حيث كثير من ممثلي خشبة المسرح السياسي، يعشقون الارتجال، والخروج عن النص، للظفر بتصفيق وصفير المتفرجين !
مع ذلك يمكننا أن نهمس في أذن شلّح وحواتمة خاصة، لإطلاق مبادرة، كما فعلت الجبهتان الشعبية والديمقراطية عام 1985، بما سمي بمبادرة براغ، بأن يرتبا اجتماعا أو مؤتمرا وطنيا يحضر فيه جميع الأمناء العامين في غزة أو القاهرة، وتشكيل هيئة لتنفيذ اتفاقات الجانبين، في القاهرة والدوحة والشاطئ، فإنهاء الانقسام لا يحتاج مبادرات سياسية أو مقترحات أو برامج، وهناك اتفاقات مباشرة بين الطرفين على إنهائه، يحتاج فقط إلى آلية وقوة تنفيذ، تخضع "القسّام " في غزة لسلطة حماس السياسية، قبل أي احد آخر، لا شيء أكثر ولا شيء أقل .