على هامش السياسة تقنيات الجوسسة الحديثة

توفيق أبو شومر
حجم الخط

لم أعثر على أبحاث متخصصة في دراسة مختصة بتجنيد العملاء والجواسيس، وفنيَّات اختيارهم! فتقنيات وآليات الجوسسة ستظلُّ حكراً على بعض الدول، لأنَّ تجنيد العملاء، وطريقة اختيارهم، من المرضى النفسيين، والأذكياء المغامرين، ومن المدمنين المهربين، والممثلين البارعين لا ينصرُ الدول، ويهزم دولا أخرى، وفق المفهوم التقليدي للجوسسة فقط، ولكنه اليوم أصبح علما محتكراً عند بعض الدول، لأن تجنيد الجواسيس، في كل قطاعات الحياة يُسهم في بناء الأمم التي جندتهم، ويساعدها على الازدهار.
يجب الإشارة أولا إلى أنَّ مفهوم الجواسيس والعملاء ارتبط في الماضي بالجوسسة الحربية والعسكرية، وأغفل القطاعات الأخرى التي يعمل فيها الجواسيس.
طرقتُ هذا الموضوع لأنني قرأت إعلانا لأكبر مؤسسات الجوسسة في إسرائيل، الموساد، نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 9/10/2016 الإعلانَ يقول: "يطلب الموساد تجنيدَ خياطٍ فني خبيرٍ في المنسوجات، والمشغولات الجلدية، له خبرة في معرفة أنواع الجلود، ومُطَّلع على الابتكارات الجديدة، ويتمتع بخيالٍ مبدع. ويرغب الموساد أيضا، في توفير عمل لنجارين مبدعين، وميكانيكيين مهرة".
تغيَّر مفهوم الجوسسة، في النظام التجاري الجديد إلى جوسسة تجارية، وصناعية، وثقافية، لأن هذه المجالات هي أساس الحياة في المجتمعات، فمَنْ يسيطر على قطاعات الحياة، يتمكن بسهولة من التحكم في مصائر الشعوب الضعيفة، ويُحقق الرفاهية لشعبه بسهولة ويُسر، بلا جيوش!
إنَّ جاسوساً واحداً قادرٌ على إفشال شركةٍ كُبرى وإبعادها عن المنافسة في السوق العالمية، حين يكشف أسرارها، ويُبرز عيوبها للمنافسين.
كما أن عميلا واحدا، يجلس على سُدِّة وزارةٍ من الوزارات قادرٌ على إفساد النظام الوظيفي في الوزارة، وتحويلها مِن وزارة منتجة، إلى عبءٍ على الشعب.
كذا، إنَّ متعاونا واحدا مع الأعداء، له اليدُ الطُّولى في شركاتِ الكهرباء، والماء، والاتصالات، يمكنه بتنغيص حياة المواطنين، أن يوزع الإحباطَ، والقهرَ عليهم، ويدفعهم لكره الوطن، واليأس، والهجرة منه!
كما أن استئجارَ جاسوسٍ كبير في البنك المركزي، أهمُّ في عصرنا الراهن من مئات الجواسيس الراصدين للتسليح العسكري، فرؤساء البنوك هم اليوم قادرون على الإطاحة بالحكومات، وإسقاط العملات، ورفع الأسعار، وإحداث الثورات!!
جاسوسٌ واحدٌ فقط في مركز دراساتٍ وأبحاث، ومؤسسة أكاديمية، تتولى إنتاج الدراسات واستطلاعات الرأي، والأبحاث المُعدَّة للتصدير الخارجي، ترصد اهتمامات الوطن، وتُبرز عيوبه، ونقاط ضعفه، أهم من عشرات جواسيس سرقة ملفات سلاح المدفعية والطيران!
يجب ألا نُغفلَ أهم الجواسيس والعملاء في الألفية الثالثة، وهم جواسيسَ اغتيال الثقافات، ومطاردة المثقفين، وتسفيه الإبداعات والفنون وتسخيفها، وشل حركة العقول!!
ولعلَّ أهمَّ العملاء والجواسيس، هم مَن يتسربون إلى مناهج الدراسة، ويحولون عقول أبنائنا إلى مخازن ومستودعات للمحفوظات، ويُكرِّهونهم في تراثهم وتاريخهم، ويدفعونهم لترك الدراسة ليصبحوا مجرمين ومدمنين!!