تشهد المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية حالة من الغليان والتوتر الغير مسبوق، إثر قمع الأجهزة الأمنية لاجتماع عقده كوادر حركة فتح للمطالبة بوحدة الحركة، وما تبعها من قرارات فصل طالت شريحة واسعة من أبناء وقيادات الحركة في الضفة وغزة.
الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، بل تطور إلى مسيرات خرج بها أبناء حركة فتح، تعبيراً عن رفضهم لقرارات الفصل الأخيرة، والتي طالت رموزاً وطنية لها اسم لامع في مخيمات الضفة الغربية ومدنها، ما دفع أجهزة السلطة الأمنية إلى قمع المسيرات التي خرجت من مخيمي بلاطة والأمعري.
وأعرب المحلل السياسي د. أشرف الغليظ، عن رفضه لإجراءات السلطة الفلسطينية، معتبراً أن قمع الأجهزة الأمنية لمسيرات خرج بها الشبان في مخيمات الضفة الغربية أمراً خارج عن نطاق المنظومة الوطنية.
وأضاف، أن الممارسات التي قامت بها السلطة مرفوضة جملة وتفصيلاً ، قائلاً "كان الأجدر بالسلطة الفلسطينية أن تتيح المجال لأبناء شعبها بالتظاهر السلمي لا أن تقاتله، وتمنعه من حق كفلته كافة القوانين والنظم الدولية".
بدوره، رفض القيادي في حركة فتح إبراهيم الطهراوي، تدخل الأجهزة الأمنية السافر في الشأن الداخلي الفتحاوي، حيث لا يحق لهذه الأجهزة أن تتدخل في شأن الحركة الداخلي.
وأوضح أن أي إشكالية تحدث داخل الحركة يجب أن تُحل داخل الإطار التنظيمي الصحيح والسليم، و حركة فتح لها مؤسسات قيادية يقع على عاتقها حل هذه الإشكاليات، مضيفاً أن ما يحدث في مخيمي الأمعري وبلاطة وباقي مخيمات الضفة الغربية شأن فتحاوي لا علاقة للأجهزة الأمنية به بالمطلق.
وقال المحلل السياسي خالد العمايرة، إن المشكلة بين الرئيس محمود عباس وحركة فتح احتدمت، كما أن معركة خلافة الرئيس طفت على السطح مبكراً، لذلك فإنه من المتوقع أن تزداد حدة التجاذبات في المخيمات الفلسطينية خلال الفترة المقبلة.
وأشار الغليظ إلى أن أبناء حركة فتح ينظمون المسيرات للمطالبة بحقوقهم، إلا أن هذا الأمر لا يروق للسلطة الفلسطينية التي تقوم بقمع مثل هذه المسيرات، لافتاً إلى أن حكومة رام الله تقوم بذات الإجراءات التي تنفذها مثيلتها في غزة من قمع لتظاهرة "وطنيون لإنهاء الانقسام" قبل عدة أيام في ساحة الجندي المجهول.
وأكد الطهراوي، على رفض حركته لهذا التدخل السافر، معتبراً أن زج الأجهزة الأمنية في هذا المعترك أمراً خطيراً لا يمكن السكوت عنه.
وأوضح أن أساس المشكلة هو اجتماع قيادات حركة فتح في مخيم الأمعري، الذي كان على رأسه أعضاء في المجلس التشريعي والمجلس الثوري وقيادات من مختلف أرجاء الضفة الغربية، لاستطلاع رؤية أبناء الحركة في مواجهة التحديات القادمة، والمطالبة بتوحيد صفوف الحركة.
ودعا العمايرة، كافة الأطراف إلى الاحتكام للمسار الديمقراطي كخارطة طريق تُنهي هذه الأزمة، مستبعداً في ذات الوقت أن يتم العمل على ذلك، بسبب تدخل أطراف خارجية وإقليمية مثل مصر والإمارات والأردن.
قمع التظاهرات السلمية ومخالفة القوانين الدولية
وفي هذا الإطار، دعا الغليظ السلطة الفلسطينية إلى النظر للمجتمعات الغربية التي تكفل لمواطنيها حق التظاهر السلمي، حيث أن المجتمعات لا تخرج بأي مسيرة إلا في إطار المطالبة بحقوقها، التي كفلتها كافة النظم الدولية.
وأشار الطهراوي، إلى أن الأجهزة الأمنية واجهت هذا الاجتماع بالحديد والنار، بشكل استفزازي وقمعي، داعياً اللجنة المركزية للحركة وعلى رأسها الرئيس عباس، إلى وضع حد لهذه الإجراءات القمعية بحق أبناء الحركة، ووقف اقتحام المخيمات بشكل يسئ لتاريخها النضالي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أوائل انتفاضة الأقصى.
ولفت العمايرة، إلى أن الحالة الفلسطينية الراهنة تحتاج إلى استراتيجيات وطنية كاملة توفر الأجواء الإيجابية لمثل هذه الأزمات، وذلك في ظل فشل مشروع أوسلو وحل الدولتين، ورفض إسرائيل بشكل واضح لحل الدولتين.
ودعا الغليظ، الفصائل الفلسطينية إلى التوحد لمواجهة مخاطر الاحتلال الإسرائيلي الذي يقتنص هذه المشاحنات لتنفيذ مخططات خطيرة، مطالباً الأجهزة الأمنية أن تأخذ بعين الاعتبار أنها إحدى المؤسسات التي تخدم أبناء الشعب الفلسطيني، وليست أداة تنفذ أجندات خارجة عن تطلعاته.
واعتبر الطهراوي اقتحام الأجهزة الأمنية للمخيمات مؤشراً خطيراً على قمع الحريات وتكميم الأفواه، لافتاً إلى أن حركة فتح أنشأت أبنائها على حرية التعبير عن الرأي، في إطار القانون الداخلي، دون توجيه عقوبة الطرد لأي شخص بأي حال من الأحوال.
قطع رواتب الموظفين بناءاً على التوجه السياسي
وقال الغليظ، إن الشعب الفلسطيني الذي قدم الشهداء لا يمكن مكافأته بهذه الطريقة، داعياً الرئيس عباس إلى مزيد من الحكمة في إدارة الأزمة الحالية.
وأكد الطهراوي، على عدم قانونية قطع راتب أي موظف، حيث أن الخلاف داخلي بين أبناء حركة فتح لا علاقة للسلطة به، ولا يحق لقيادة السلطة أن تتخذ قرارات تتعلق بالوظيفة العامة بناءً على خلاف فتحاوي داخلي.
وتابع الغليظ، أن سياسة قطع الرواتب التي انتهجتها السلطة مؤخراً غير قانونية، فإجراءات قطع رواتب الموظفين على خلفية أراءهم السياسية منافية للقانون والشرع وتقاليد المجتمع، حيث أن الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يسجل في تاريخه قطع راتب أي موظف، حتى لو ثبتت عليه تهمة "العمالة" حفاظاً على مصدر دخل أطفاله وأسرته.
وشدد الطهراوي على أن أي إجراء تتخذه السلطة مثل سياسة قطع الرواتب، سيقابله رد فعل لا يمكن تحديد طبيعته، لافتاً إلى أن أبناء حركة فتح عانوا في الفترة السابقة أزمة قطع رواتب أكثر من 250 كادراً، تبعها ردود أفعال أوقفت هذه القرارات.
ونادى الغليظ، الرئيس بالنظر مجدداً في قضية قطع رواتب الموظفين، التي سيكون لها آثاراً وخيمة لا يحمد عقباها، مشيراً إلى أن هذه الأموال لا يدفعها الرئيس من حسابه الخاص، بل هي هبات لصالح الشعب الفلسطيني وقطاعاته المختلفة.
مخيمات الضفة تعيش حالة من التوتر الغير مسبوق
وأشار الغليظ إلى أن الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة يعيش حالةً من الغليان والهيجان، ويتوجب على الرئيس أن يتخذ قراراً حكيماً بتوحيد صفوف شعبه وحركته، قبل رحيله عن المشهد السياسي خاصةً وأنه تجاوز حد الثمانين عاماً.
ورأى الطهراوي، بأنه على قيادة حركة فتح تتدارك الأمور قبل أن تنحدر إلى منحنى خطير تتوسع فيه دائرة المواجهات، مؤكداً على استمرار حراك كوادر "فتح" في الضفة وغزة والشتات للمطالبة بتوحيد صفوف الحركة.
وطالب الغليظ الرئيس عباس، بأن يتخذ قراراً شجاعاً ويعلن تنازله عن السلطة لشخصية فلسطينية تستطيع إدارة الأزمة الراهنة، لافتاً إلى أن الحاشية التي تقود المشهد في الوقت الراهن عبارة عن مجموعة من المرتزقة.
واعتبر الطهراوي، أن صمت اللجنة المركزية والمجلس الثوري، بمثابة قبول للأحداث الجارية في المخيمات الفلسطينية، من مطاردة لكوادر الحركة، وقمع للحريات، مطالباً بتحييد المخيمات وكوادر الحركة عن حالة الفتنة القائمة، والتي ستؤدي لانهيار كبير في النظم والقوانين الموجودة بالضفة.
وأضاف الغليظ، أن هذه الإجراءات التي تقوم بها السلطة تجعلها شريكاً للاحتلال في تأزم الحالة الفلسطينية التي هي بأمس الحاجة لرص صفوفها في الوقت الحالي، داعياً الكل الفلسطيني إلى النظر لمبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، والتي وضعت نقاطاً للخروج من المأزق السياسي الراهن.
وقال العمايرة، إن السلطة الفلسطينية ضللت شعبها بحلم إقامة الدولة دون أي تجاوب من الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل صمت دولي مطبق تجاه ممارسات العدو بحق الشعب الفلسطيني، الذي هو بأمس الحاجة لإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، تحقيقاً لطموحه في التواصل الإقليمي مع كافة دول العالم.
التملص من ضغوط الرباعية العربية لتحقيق وحدة الحركة
و أشار الغليظ إلى أن الرئيس محمود عباس توجه لمحور قطر وتركيا للتملص من تلك الضغوطات التي مارستها الرباعية العربية، حيث أن قطر وتركيا يعتبران نقيضاً للسعودية التي لم تفِ بمستحقاتها للسلطة المالية منذ ستة أشهر، رفضاً لسياسية الرئيس.
وطالب الطهراوي، مركزية وثوري الحركة بالاستجابة لنداءات الشارع الفتحاوي وتحقيق وحدة الحركة، لافتاً إلى أن حركة فتح شكلت نموذجاً مشرفاً خلال التحضيرات لعقد الانتخابات المحلية، وهذه الحالة لا بد من استغلالها بشكل صحيح لتوحيد أطر الحركة على أسس سليمة.
وأوضح الغليظ، أن تقارباً حدث مؤخراً في وجهات النظر بين كلاً من النائب في المجلس التشريعي والقيادي في حركة فتح محمد دحلان وحركة حماس، دفع برئيس السلطة إلى مناغمة تركيا وقطر المقربتان من حماس، من أجل إتمام المصالحة مع حماس، وثني حماس عن مصالحة دحلان.
وعبر الطهراوي، عن رفضه لعقوبة الطرد التي طالت النائب جهاد طمليه، والتي لم تستند على أسس سليمة، موضحاً أن أي عقوبة يتم اتخاذها بحق كادر فتحاوي، يسبقها التنبيه ومن ثم الفصل من أطر الحركة، لكن هذا الأمر لم يحدث مع أي كادر من كوادر الحركة، بل إنه لم يتم منح أحدهم فرصة للدفاع عن نفسه.
مفارقة بين عباس والرئيس الراحل عرفات
وبيّن الغليظ أن المفارقة بين الرئيس عباس والرئيس الراحل ياسر عرفات كبيرة جداً، موضحاً أن الشهيد عرفات حين خروج مسيرات مناهضة لحكمه، استدعى المناهضين له لمعرفة أسباب غضبهم، حيث أنه دعا دحلان في حينها إلى مأدبة عشاء قائلا له: "المظاهرة ما كانت كبيرة يا أبو فادي"، هذه الأمور تُظهر حنكة الراحل في قيادة زمام الأمور.
وأضاف الغليظ، "أعتقد أن الرئيس عباس في ظل هذه الممارسات لا يمثل الشعب الفلسطيني"، وهذا نتيجة طبيعية لقراراته الخاطئة التي اتخذها مؤخراً، والتي حارب من خلالها مختلف مكونات أبناء شعبه.
وختم الغليظ حديثه، بالتأكيد على ضرورة اختيار نائباً للرئيس طواعيةً، خاصة وأن كافة المؤشرات تدلل على توجهات باغتيال الرئيس عباس وتصفيته جسدياً، مشيراً إلى أن شغور منصب الرئيس في الوقت الراهن سيؤدي إلى مشكلة دستورية، حيث أن القانون ينص في هذه الحالة على تولي رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة لفترة مؤقتة، يتم الدعوة خلالها إلى عقد الانتخابات الرئاسية.