من «تجنُّح» إلى «تمرُّد» !

حسن البطل
حجم الخط

مات من وصفه الشاعر أحمد دحبور "جمل المحامل"، وبقيت "فتح" هي "عمود السقف" للبيت الفلسطيني.
ذاهبون إلى المؤتمر العام الحركي السابع، في ظروف أخرى، فتحاوية وفلسطينية، وعربية وإقليمية ودولية، كما كان المؤتمر العام الخامس في ظروف ما بعد خروج بيروت.
في المؤتمر الخامس، اختلف "جمل المحامل" مع أعضاء في المؤتمر، وخرج "زعلاناً" أو "حرداناً" وهم يصيحون فيه: "عاصفة.. عاصفة" وهو يهتف فيهم: "تموت العاصفة وتحيا "فتح"؛ تموت "فتح" وتحيا منظمة التحرير؛ تموت منظمة التحرير وتحيا فلسطين"!
ليست "القشّات" هي من قصم ظهر "جمل المحامل" ولا "انشقاقات" بعض العقداء في المنفى، ولذلك وُصف عرفات بعد رحيله بأنه "السيد فلسطين".
أنا وصفته، بعد وفاته، بأنه الرئيس المؤسس، ووصفت خليفته بأنه "الرئيس الممؤسس" وفي ورديته حصل انشقاق فصائلي أخطر من "قشّات ـ الانشقاقات" الفتحاوية في مرحلة المنفى.
في مرحلة المنفى انشق عقداء جاؤوا من جيوش الأنظمة، مثل: "أبو موسى، أبو خالد، أبو الزعيم، وعادوا إلى الأنظمة. أينهم الآن؟ وقد كانت لبعضهم مكانتهم ودورهم في الدفاع عن الحركة والمنظمة والثورة.
كم فصيلاً خرج من رحم الجبهة الشعبية، وحمل مسمّيات أخرى، وبقي فصيلاً في منظمة التحرير؟. لكن جميع الانشقاقات الفتحاوية حاولت انتحال اسم "فتح" ("المجلس الثوري"، "فتح الانتفاضة".. إلخ). تلاشت الانشقاقات الفتحاوية، لأنها انتحلت اسم "فتح" ولم تتسمّ بأسماء أخرى، كما انشقاقات الفصائل.
إذا ادعت إسرائيل أنها "الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة، وهي ديمقراطية لليهود أولاً، فإن "فتح" لا تدّعي أنها الفصيل الأكثر ديمقراطية بين فصائل م.ت.ف.
.. وإلاّ، كيف لـ "جمل المحامل" أن يخاطب بعض أعضاء المؤتمر الخامس: تموت "فتح" وتعيش فلسطين، وهو قائد الجناح العسكري ـ العاصفة، والجناح السياسي ـ فتح، ورئيس المنظمة، أيضاً، والذي أعلن في مجلس وطني بالجزائر استقلال دولة فلسطين؟
كما كوكب الأرض هو "جنّة الكون" وتشكل من سديم كباقي الكواكب والنجوم والمجرات، فإن "فتح" هي كوكب الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وباقي الفصائل كأنها أقمار هذا الكوكب.
.. أو نقول إنها تألّفت من "جنيحات" الشعب: الإسلامية، القومية، الوطنية، وبقي ولاؤها وبوصلتها فلسطين و"القرار المستقل"، وبه ناورت بنجاح معقول بين دول وعواصم وأنظمة.
بقيت "فتح" منذ تأسست جبهة في مسمّى حركة، وصارت حركة في مسمّى سلطة، وسلطة في مسمّى دولة.
كان "جمل المحامل" يشكو مازحاً من "ديمقراطية سُكّر زيادة" في المنظمة، إلى أن خسرت "فتح" الانتخابات في العام 2006 بسبب انفلاش وتسيُّب الحركة الديمقراطي إلى جبهة، بدلالة تشكيل قائمة منافسة، حتى الدقيقة الأخيرة من إغلاق الترشيحات، عدا الفتحاويين "المستقلين" كمرشحين.
في "فتح" هناك "لجنة حماية العضوية" ودون تصويت اللجنة على إخراج المنشقين يبقى هؤلاء أعضاء في الحركة.
بعد الانشقاق الفصائلي والأيديولوجي الحمساوي، وخلال المؤتمر السادس، وجهت انتقادات إلى القيادي الفتحاوي السابق، محمد دحلان. ولاحقاً، فُصل دحلان بقرار من اللجنة المركزية؛ ولاحقاً اضطر رئيس فتح والمنظمة والسلطة إلى ممارسة ما تمارسه بقية الفصائل من "ديمقراطية مركزية".
أولاً، هدّدت "فتح" بفصل أية قوائم فتحاوية تنافس القائمة الرسمية في الانتخابات. هذا إجراء متبع في الأحزاب الحاكمة والمعارضة على السواء.
ثانياً، وقّع على قرار بفصل عضو مشارك في "مؤتمر" مخيم الأمعري، تحت شبهة أنه من جناح دحلان المفصول حركياً.
بذلك مارس رئيس الجبهة ـ الحركة الفتحاوية صلاحية رئيس الحزب قبل أن تتحول حزباً، وعشية المؤتمر السابع، المفترض أن تناقش فيه "لجنة حماية العضوية" قرارات الفصل والتجميد.
يعني، من "سكر زيادة" في ديمقراطية الحركة، إلى سكر قليل، لا يصل إلى فنجان قهوة "على الريحة" ربما من حق وواجب رئيس الحركة أن يمارس شيئاً من "الضبط والربط" حتى لا يصيب سوس الانشقاقات عمود "السقف".
لكن الأمر، والتصدي لـ "التجنُّح" خلاف ما يشبه "تمرد" خلية رباعية في الأجهزة الأمنية، بينها عميد ورائد ورقيب متهمة بالتخطيط لاستخدام السلاح والتخريب المسلح ضد قيادات فتحاوية في اللجنة التنفيذية، وآخر أمين سر المجلس الثوري، وثالث عضو في المجلس التشريعي.
عندما نشر ضابط في أحد الأجهزة الأمنية رأياً فيسبوكياً يعارض رئيس السلطة لمشاركته في جنازة بيريس، عفا عنه رئيس الحركة والسلطة، وأُحيل لتقاعد مبكّر.
انشقاق عقداء جاؤوا من الأنظمة إلى الثورة، غير تمرد ضباط ورقباء في أجهزة الأمن السلطوية، فقد يكون "التجنُّح" جنحة حركية، لكن الأمر في أجهزة الأمن جناية وطنية.
السلطة في ظرف دقيق، سياسياً، والحركة في ظرف دقيق داخلياً وأمنياً، ولا يكفي القول القديم: فتح لا تقبل القسمة على اثنين، أو "يا جبل ما يهزّك ريح" فالرياح تعصف في دول وأنظمة وجيوش وأحزاب الجوار.
نرجو أن تذهب "فتح" إلى مؤتمرها السابع موحدة، وأن تخرج منه وهي باقية "عمود سقف البيت الفلسطيني".