"مبادرة" رمضان عبدالله شلح

ااحمد عزم
حجم الخط
 

أعلن أمين عام حركة الجهاد الإسلامي رمضان عبدالله شلّح، في خطاب عبر الأقمار الصناعية، خطة من عشر نقاط، لتكون برنامج عمل وطني فلسطيني، وذلك أثناء احتفال في قطاع غزة، حضرته جماهير غفيرة، أحيت الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس الحركة. واللافت أنّ بعض الجهات الفلسطينية عبرت عن موافقتها على المبادرة، مع أنّ التمحيص فيها يجعل من الصعب تسميتها بخطة. 
من الجهات التي أعلنت موافقتها على "الخطة"، حركة "حماس"، والعضو القيادي السابق في حركة "فتح"، محمد دحلان، الذي قال: "أسجل تقديري الكبير لما جاء في خطاب الدكتور رمضان شلح خلال احتفالية تأسيس الحركة". ورأى دحلان في خطاب "أبو عبدالله" قواسم عديدة مشتركة بين مختلف قوى العمل الوطني الفلسطيني خاصة ما تعلق منها بالوحدة الوطنية الفلسطينية". واعتبر دحلان المبادرة "صوت العقل والتبصر الذي أطلقه الدكتور في خطابه، داعياً إلى تكثيف الاتصالات بين كل قوى وشرائح شعبنا، وبينها جميعا وبين الأشقاء في جمهورية مصر العربية ودعوتها لرعاية حوارات فلسطينية مكثفة بما يحفظ القضية الفلسطينية ويعزز الأمن القومي العربي". ولم ترفض "فتح" والجبهة الشعبية، وحركة المبادرة، الأفكار، وإن قالت إنّ جزءا كبيرا منها يتقاطع مع أفكارها وطروحاتها. والحقيقة أنّه لا يمكن أخذ مواقف بعض هذه الأطراف، بشأن بعض الأفكار المطروحة، بجدية، خصوصاً حركتي "فتح" و"حماس".
تتضمن خطوات شلح المقترحة، خطوات من نوع أن يعلن الرئيس محمود عباس إلغاء اتفاقية أوسلو، وأن تعلن منظمة التحرير الفلسطينية سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، إسرائيل؛ وأن يعاد بناء المنظمة لتصبح الإطار الوطني الجامع الذي يضم ويمثل كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني. وإعلان أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ما تزال مرحلة تحرر وطني من الاحتلال، وأن الأولوية هي لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المسلحة. وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، وإعداد استراتيجية جديدة شاملة. والتأكيد أن الشعب الفلسطيني في كل فلسطين، وأينما كان، هو شعب واحد وقضيته واحدة. ثم الاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية، لتتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه هذه الخطوات، وأن تسحب المبادرة العربية من التداول. وأيضاً العمل مع مصر على إنهاء الحصار عن قطاع غزة، والسماح بإعادة الأعمار. وقيام قيادة منظمة التحرير بملاحقة دولة الكيان وقادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب، والعمل على تفعيل وتعزيز حركة المقاطعة الدولية. وأخيرا، إطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني؛ لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد.
هذه الأفكار جديرة بالتوقف والاهتمام، ولا بد من تأكيد محوريتها، مثل إعادة تعريف الشعب الفلسطيني إلى المربع الأول ليشمل كل الفلسطينيين. لكن غالبية هذه الأفكار شعارات مرفوعة فعلا من القوى السياسية، والمأزق هو في كيفية تحقيقها، من مثل الحديث عن منظمة التحرير، وإنهاء الانقسام والوحدة الوطنية؛ فليس هناك من حاجة للدعوة إليها، بقدر الإجابة عن السؤال المحوري، وهو: "كيف يحدث ذلك؟". فطرح هذه المطالب والشعارات أمر شرعي وضروري، لكن حتى يصبح لدينا "خطة" فالأصل الإجابة عن كيف يحدث هذا؟ تماماً كما أنّ الحديث عن إلغاء اتفاقية أوسلو لن يكون واقعياً إلا إذا وضع ضمن تصور واضح ومتكامل. وربما يكون من المنصف القول إنّ شلح دعا لوضع خطة، وهذا أكثر دقة من القول إنّه قدم خطة. 
لعل أهم ما يستحق التوقف عنده في نقاش "خطة شلح"، أنّ هناك الآن العديد من السياسيين الفلسطينيين، وحتى من الباحثين والكُتّاب، يطرحون تصورات للخروج من المأزق الفلسطيني، إنما مع مشكلتين حقيقيتين؛ الأولى، التكرار في جزء مهم من الأفكار والطروحات، ما يجعل الأمر مجرد مداخلات فردية. والثانية، وهي الأهم، أنّ المطروح هو تصورات "لحلحلة" الأمور، وبدء تفكير جديد (كدعوة شلح لحوار للاتفاق على خطوات)، ولا توجد طروحات ذات شمولية واسعة، تتناول مختلف جوانب العمل والحياة الفلسطينيتين، ليمكن القول إنها مشروع وطني استراتيجي. 
ربما يرى شلح أنّ وضع خطة وطنية هو مهمة جماعية. لكن لا أحد يبادر، على المستوى الفردي أو الجمعي، إلى وضع تصور استراتيجي شامل.

عن الغد الاردنية