أفلام وهمية

0bb73c8a16077e6410f338412d6ff729
حجم الخط
 

حضرت منذ أقل من اسبوعين ندوة بعنوان «مصر والقضية الفلسطينية» نظمها المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط ،

وقد فوجئت منذ تقرر عقد الندوة بأن ثمة هجوماً عليها من دوائر فلسطينية نقله لى بعض من شرفت بالتدريس لهم من طلابى الفلسطينيين ، وقد فسرت الهجوم الذى تلقفته كالعادة دوائر إعلامية عربية معادية لمصر بأنه انعكاس طبيعى للاحتقان السياسى داخل فتح والحملة الضارية من دوائر عربية على السياسة الخارجية المصرية ، لكنى ذُهلت عندما قرأت لكاتب كبير أحترمه وأختلف معه مقالة عن الندوة يندر أن تجد فيها شيئاً حقيقياً عما دار بها ناهيك عما تضمنته من إهانة للمشاركين فيها بالقول بأنه قد «جرى استدعاء بعض الأكاديميين للظهور على منصته من باب التجمل واستكمال الديكور» ، ومجمل منطق المقالة أن الندوة تمثل تحركاً مصرياً لصالح محمد دحلان فى مقابل محمود عباس تساءل الكاتب الكبير فى نهايتها عما إذا كان هناك شريك عربى فى إنتاج ما وصفه بفيلم فلسطينى ، والواقع أن تحليله ينزع عن الأمر صفته الفلسطينية فكما أن الأكاديميين المصريين لم يكونوا سوى ديكور تجميلى فإن دور الفلسطينيين المشاركين لن يتجاوز دور الكومبارس بالتأكيد ، وليسمح لى الكاتب الكبير بأن أطلب منه أن يعنف أولئك الذين أمدوه بمغالطات جعلت مقاله مفارقاً لواقع ما تم وأن أدلى بشهادتى باعتبارى عنصراً من عناصر الديكور فى الندوة .

وصف المقال المركز الداعى للندوة بأن علامات استفهام كثيرة تحيط به وهو قول حمال أوجه لأن القارئ الذى لا يعلم شيئاً عن المركز قد يتصور أنه كمركز غيره ممول عربياً أو دولياً بينما يقصد الكاتب فى الأغلب علاقة المركز غير المباشرة بالدولة المصرية ولست أدرى ما إذا كانت هذه سُبة تشينه طالما أنه يلتزم فى عمله بالمعايير الأكاديمية ، وقد عجبت لأن المقالة لم تذكر حرفاً واحداً عما دار فى الندوة سوى التلميح بأن أحد العاملين بالمركز دعا صراحة فى الصحف المحلية إلى ترجيح كفة دحلان ، وسوف أذكر فيما يلى بعض الحقائق عن الندوة لعل كاتبنا الكبير يراجع ما كتبه ، فقد كان الحضور من فلسطينيى غزة ولم يكونوا من حركة فتح فحسب وإنما كان من بينهم منتمون للجبهة الشعبية ومستقلون وأكاديميون وممثلون للمجتمع المدنى ، ودارت موضوعات الندوة حصراً عن تحليل الوضع الفلسطينى الراهن وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وتأثير الإرهاب على القضية الفلسطينية واستشراف مستقبلها خاصة فى ضوء المتغيرات العربية والإقليمية والعالمية الراهنة ، وركزت المناقشات أساساً على قضية المصالحة الفلسطينية سواء داخل فتح أو بين فتح وحماس وكانت المناقشات فى هذا الصدد شديدة العمق ، ولم يُثر فى أى وقت من الأوقات حرف عن محمد دحلان أو سعيه للسلطة بل على العكس فإن أحد المشاركين استخدم تعبيراً غير لائق بحق الرئيس عباس وفتح ومنظمة التحرير فإذا بزئير من الحاضرين وبعضهم بالتأكيد معارض لعباس اعتراضاً على هذا التجاوز وإذا برئيس الجلسة يعترض بشدة على التعبير المسئ ويعلن شطب العبارة من مداولات الندوة .

اعتبر المقال الندوة تظاهرة لصالح دحلان الذى اقتضى إخراج الفيلم غيابه عن الندوة وفقاً للكاتب لكن دحلان حضر كما جاء فى المقال بالنص «فى البيان النهائى الذى دعا إلى ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام لاستكمال مشروع التحرر الوطنى» ، وقد أجهدت نفسى كثيراً فى التفتيش داخل العبارات السابقة عن دحلان والانتصار له فى سعيه إلى السلطة دون جدوى ، كما استشهد المقال بتصريحات للناطق باسم فتح اعتبر فيها عقد الندوة تدخلاً فى الشأن الفلسطينى الداخلى وأن ما يصدر عنها باطل وغير شرعى ، ولست أدرى كيف يكون الحوار الموضوعى بين مجموعة من المصريين الغيورين على القضية الفلسطينية وأشقائهم الفلسطينيين نحو مزيد من التبصر بما آلت إليه القضية الفلسطينية والتفكير فى سبل تعزيز نضال الشعب الفلسطينى تدخلاً فى الشأن الفلسطينى الداخلى ، وكيف يمكننا أن نعتبر الدعوة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام باطلة وغير شرعية ؟ ومن تراها الجهة المخولة بإضفاء الشرعية على اجتهادات فكرية؟ بل لقد وصل الأمر بأمناء سر حركة فتح فى الضفة بإصدار بيان وفقاً للمقال يصف عقد الندوة «خارج إطار الشرعية» بأنه يعد «تدخلاً مخجلاً من جانب الأيدى التى تعبث بالشأن الفلسطينى» وكأنه من الآن فصاعداً يتعين على من يريد مناقشة الشأن الفلسطينى أن يستأذن سلطة رام الله ، والواقع أننى دُهشت من استشهاد الكاتب الكبير بهذه الأقوال وله مواقفه المعروفة المكتوبة من سياسات هذه السلطة فمنذ متى أصبح المعبرون عنها معياراً للحكم على ما يدور من نقاش حول القضية الفلسطينية؟ للأسف فإن هذا الاحتقان الحاد داخل السلطة الفلسطينية قد انعكس بشكل هستيرى على موقفها من الندوة ولعل هذا يكون سبباً لاعتذار الأمين العام للجامعة العربية عن حضور الندوة نأياً بمنصبه الرفيع عن هذه الهستيريا .

 

الأهرام المصرية