تعيش الحالة الفلسطينية حالة من الاحتقان، جراء تأزم المشهد السياسي بفعل التجاذبات الإقليمية، والمحاولات القائمة لتمرير الأجندات وفرض الرؤى السياسية التي تتوافق مع المحاور العربية المختلفة.
ومع ارتفاع وتيرة الضغط والقهر على كافة الصعد، يزداد الواقع الفلسطيني تأزماً في ضوء تردي الأوضاع الحياتية، والقهر السياسي الممارس جراء الانقسام الداخلي، بالإضافة إلى ارتباط هذه العوامل مع الحملات العسكرية المتكررة والاشتباكات المسلحة في مخيمات الضفة الغربية ما بين مسلحين والأجهزة الأمنية.
هذا المشهد يضع الكل الفلسطيني أمام تحديات جسام، أهمها تصميم بيئة استراتيجية تعزز مقومات الحفاظ على الهوية الوطنية، وترسم الخارطة السياسية الفلسطينية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة د. ناجي شراب، إن ما يدور في مخيمات الضفة الفلسطينية من أحداث مؤسفة تشير إلى سيناريو خطير لا يمكن الاستهانة به، داعياً القيادة الفلسطينية إلى عدم الاستخفاف بالفوضى الشاملة في مخيمات الضفة الغربية.
من جانبه أشار المحلل السياسي سامر عنبتاوي، إلى أن سيادة الأمن ومنع الانفلات في مخيمات ومدن الضفة الغربية مطلباً شعبياً، ولكن في إطار القانون من خلال حملات أمنية منظمة، بعيداً عن العقاب الجماعي وإلحاق الضرر بالمواطنين الأمنيين.
وأكد المحلل السياسي د. أشرف الغليظ، على أن ما تقوم به الشرطة الوطنية الفلسطينية في مخيمات الضفة غير مقبول، مشيراً إلى أن الرئيس عباس يتهرب من الضغوط الفتحاوية الداخلية من خلال تأجيج الشارع الفلسطيني وبسط سيطرته عليه.
بدوره أكد أمين سر حركة فتح في إقليم نابلس جهاد رمضان، على أن موقف حركته من المواجهات الواقعة في مخيم بلاطة واضح منذ اللحظة الأولى، حيث أن الحركة أعلنت عن دعمها لفرض الأمن في إطار القانون وبما يضمن سلامة المواطنين.
وأشار المحلل السياسي عمر جعارة، إلى أن الانفلات في مخيمات الضفة يشكل خطراً كبيراً على مستقبل القضية الفلسطينية، مشدداً على ضرورة أن يحيى سكان المخيمات والمدن بأمن وأمان بعيداً عن أية خلافات.
ودعا شراب القيادة إلى عدم توزيع التهم جزافاً، والإشارة إلى أن ما يجري في مخيمات الضفة بتدبير من النائب دحلان، مطالباً إياها النظر إلى هذا الأمر بشكل موضوعي وشامل، والابتعاد عن التعامل الأمني الذي يزيد من حدة المواجهة والعنف.
وأكد عنبتاوي، على ضرورة توجيه الحملات الأمنية نحو إنهاء الاحتلال، وحل كافة الإشكاليات المتعلقة بالأمن الداخلي من خلال الحوار بما يضمن سيادة القانون.
وبيّن رمضان، أن التواجد الأمني في مخيمات ومدن الضفة أمر في غاية الأهمية، مشدداً على رفض حركته للإجراءات العسكرية، خاصة في مخيم "بلاطة" المكتظ سكانياً.
ولفت جعارة إلى أن هذا الانفلات يضر بكافة مناحي الحياة بغض النظر عن الأطراف المتصارعة، مؤكداً على أن الأحداث المؤسفة في المخيمات الفلسطينية، لا تروق إلا لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لتمزيق الشرق الأوسط.
وطالب شراب بتشكيل لجنة إنقاذ وطني من كافة الفصائل، لتدارس الأسباب التي أدت إلى حالة العنف القائمة في مخيمات الضفة، داعياً كافة الأطراف إلى أخذ موجة العنف والمواجهات هذه بعين الاعتبار، لا أن يتم النظر لها بالاستخفاف المتبع من قبل بعض القيادات والناطقين.
ودعا رمضان، قوى الأمن إلى أن تنفذ حملاتها بشكل موضوعي، بعيداً عن إلحاق الأذى بالمواطنين الأمنيين والأبرياء.
ونوّه جعارة إلى أن الكل الفلسطيني يرغب بضبط الأمن، بعيداً عن الحملات العسكرية، حيث أن السلاح الشرعي بيد السلطة الفلسطينية للحفاظ على توفير ما يتطلع إليه المواطنين.
إسرائيل تشكل لجنة لمرحلة ما بعد الرئيس عباس
أوضح شراب أن الضفة الغربية مكون أساسي من مكونات السياسة الإسرائيلية، حيث أن ما يجري في الضفة تأخذه إسرائيل بعين الاعتبار، وذلك بسبب استخدام الأسلحة النارية وتبادل إطلاق النار.
وأضاف عنبتاوي أن الاحتلال لا يدخر جهداً للعبث بالمكونات الداخلية الفلسطينية، لافتاً إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحاول تأجيج الصراع الداخلي وإثارة النعرات والخلافات الداخلية.
وبيّن الغليظ أن كافة المؤشرات تدلل على نهاية مرحلة الرئيس عباس، كاشفاً عن وجود ترتيبات إقليمية لهذا الأمر، حيث أن إسرائيل تريد معرفة الوجهة السياسية للضفة في المرحلة التي تلي انتهاء حكم الرئيس.
وأشار شراب إلى أن إسرائيل تراقب الأوضاع عن كثب وتهيئ نفسها لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، لذلك فإن دولة الاحتلال تبحث في أبعاد المرحلة السياسية والأمنية المقبلة، على اعتبار أن الرئيس قد انتهت ولايته.
ولفت عنبتاوي إلى أن الاحتلال يحاول إظهار المجتمع الفلسطيني بمظهر المفكك الغير قادر على قيادة نفسه، في محاولة لتوجيه الرسائل الداخلية والخارجية بعدم مقدرة الفلسطينيين على إدارة دولة مستقلة.
لقاءات الدوحة ودور" مصر" في ملف المصالحة
واعتقد شراب أن زيارة الرئيس للدوحة مدروسة ومخطط لها ضمن سياق ملف المصالحة، موضحاً أن المؤشرات تدل على رغبة الرئيس بإنجاز مصالحة وطنية على حساب المصالحة الفتحاوية الداخلية، كما أن حركة فتح لا تعترف بوجود خلافات داخلية فيما بينها.
كما اعتقد عنبتاوي أن حركة فتح ما زالت متماسكة على الرغم من الخلافات الراهنة، موضحاً أنه لا يوجد فلسطيني غيور يرغب بتمزيق هذه الحركة المناضلة، التي قدمت التضحيات للشعب الفلسطيني، وإن اختلفنا معها في بعض المواقف، متمنياً أن يخرج المؤتمر السابع للحركة ببنود جديدة تعيد الحركة إلى موقعها الطبيعي، وتؤدي إلى وحدتها.
وأوضح الغليظ أن الرئيس عباس يعيش اللحظات الأخيرة في ولايته على السلطة، ولذلك يتهرب من المحافل الدولية والرباعية العربية، ساعياً إلى تحقيق أي إنجاز سياسي قبل نهاية حكمه، وكان التوجه إلى لقاء حماس في الدوحة في هذا الصدد، حيث جرت مشاورات ما بين الجانبين حول إتمام المصالحة.
وأعرب عنبتاوي عن أمله في أن تفضي هذه الاجتماعات إلى تحقيق المصالحة، مشيراً إلى أن المطلوب من طرفي الانقسام هو وضع آليات لتطبيق ما اُتفق عليه، حيث أن إتمام هذا الملف لا يحتاج لأي تدخل خارجي من قبل العواصم العربية، بل ما يحتاجه هو إصرار فلسطيني على إنجازه.
في حين أكد الغليظ على أن لقاء عباس مع حماس في قطر لا ينهي جذور الانقسام المتأصلة منذ عدة سنوات.
ولفت شراب إلى أن لقاءات الدوحة لن تكون بديلاً عن دور مصر التاريخي ولا يمكن التهرّب منه، حيث أن حركة حماس تُدرك أنه لا بديل عن الدور المصري في إتمام المصالحة الفلسطينية، كما أن حركة فتح تدرك العمق الاستراتيجي الذي تقدمه مصر للقضية الفلسطينية كإطار نهائي في كافة الملفات.
وشدد الغليظ على أهمية الدور المصري في ملف المصالحة الداخلية، مشيراً إلى أنه لا يمكن الاستغناء عن دورها التاريخي في كل ما يخص القضية الفلسطينية، وأن مصر تدعم أي جهود تُبذل في سبيل إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس.
التجاذبات الفتحاوية والتهرب من ضغوط الرباعية العربية نحو محور "قطر – تركيا"
أوضح شراب أن الرئيس عباس لا يعترف بوجود خلافات داخل الحركة، كما أنه يولي إتمام المصالحة الفلسطينية مع حماس أهمية أكبر من الملف الفتحاوي الداخلي، رغبةً منه في اختتام حكمه بإتمام مصالحة فلسطينية.
وقال عنبتاوي إن القيادة الفلسطينية وضعت نفسها رهينةً للمحاور الإقليمية، لافتاً إلى الرئيس توجه لمحور "قطر – تركيا" تهرباً من ضغوط الرباعية العربية التي حاولت فرض بعض المواقف.
وبيّن الغليظ، أن الرئيس عباس توجه إلى محور قطر وتركيا، من أجل التقرب من حركة حماس التي تحالفت مع دحلان مؤخراً، في محاولة منه لإنهاء هذا التقارب.
ولفت شراب إلى أن كافة الأطراف بما فيها الدول العربية وحركة حماس يتعاملوا مع الرئيس عباس على أنه قد انتهت مرحلته، كما أن الأطراف ذاتها تهيئ نفسها لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.
وأشار عنبتاوي إلى أن التغيرات الإقليمية في المحيط العربي أثرت بشكل كبير على القضية الفلسطينية من جانبين، الأول: أن القضية الفلسطينية أصبحت هامشية وليست على مقدمة الأولويات الدولية بسب الانشغال الداخلي، والثاني: أن القضية تأثرت إلى حد كبير بالتغيير الواقع داخل المجتمع الفلسطيني.
وشدد عنبتاوي، على أن إنهاء الأزمة الحالية يتطلب موقفاً موحداً يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، من أجل إعادة بوصلة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الطبيعية.