أصدقاء للفلسطينيين بين صفوفهم

حمادة فراعنة
حجم الخط

ليس كل ما يلمع ذهباً، وليست دوافع كل من يَصرخ بريئة أو نبيلة، أو أنه محق في صراخه، فها هو نتنياهو يصرخ وجعاً من سلسلة اللطمات السياسية الدولية التي وجهها المجتمع الدولي لإجراءات مشروعه الاستعماري وأفعال حكومته العنصرية، وها هو يتبجح في رفض قرارات الأمم المتحدة التي منحت مشروعه شهادة ولادة مشروطة بتقسيم فلسطين لدولتين عبرية وعربية العام 1947، إسرائيلية وفلسطينية، فقامت الأولى العام 1948، وأُبيدت الثانية، مع أن شرعية الأولى إن كانت لها شرعية فهي مرتبطة بشرعية قيام الثانية.
وها هي منظمة «اليونسكو» تُقر أن المسجد الأقصى المبارك – وحرمه الشريف هو ملك للمسلمين، وللمسلمين فقط كما هي الكنيسة للمسيحيين والكنيس لليهود، و»اليونسكو» بقرارها هذا لم تأت بجديد حينما وثقته وأكدت عليه، على أن الحرم القدسي الشريف هو تراث ومكان وتاريخ ومعالم للمسلمين، وللمسلمين فقط، ولا يمكن تقسيمه أو المساس به كما لا يمكن تقسيم الكنيسة مع غير المسيحيين، ولا يمكن شراكة المسلمين أو المسيحيين في كنيس اليهود، وعلينا جميعاً احترام ذلك كما يفعل المسلمون في احترامهم للكنيسة باعتبارها مقدساً للمسيحيين، وكما يفعلون في احترامهم للكنيس باعتباره مقدساً لليهود.
الكاتب الإسرائيلي ب.ميخائيل نشر على صفحات «هآرتس» العبرية مقالاً يوم  28/10/2016، قال فيه:
«ثمة أدلة مقنعة بما يكفي في الكتابات، في أن مقدساً يهودياً كان قائماً في الماضي، ولكن لا توجد، ولا بارقة منفردة واحدة من المعرفة الأثرية أو غيرها، تدل على مكانه» ويرد ميخائيل على عويل نتنياهو وعلى ادعاءاته في الحرص على آثار اليهود وآثارهم وحدهم، والادعاء أن بلادنا لهم بقوله: «هذا العويل – من حكومة نتنياهو – وقح وفاقد للأخلاق، ولا سيما عندما يصدر عن دولة أبادت عشرات المساجد (للمسلمين) لدرجة أنه لا يعرف مكان دفنها، وهي تتجاهل عن نية مبيتة ألف سنة من حكم إسلامي للقدس، وهي تفعل كل ما بوسعها كي تُخفي وتقزم كل ما كان هنا قبل مجيئنا» قبل العام 1948، وللدلالة على ذلك يؤكد الكاتب الإسرائيلي ب.ميخائيل: «في القدس توجد حديقة اسمها (الاستقلال) وهي مبنية على مقبرة عربية، وفي تل أبيب توجد حديقة اسمها (الاستقلال) وهي مبنية أيضاً على مقبرة عربية، وفي القدس يوجد متحف اسمه (التسامح) ومتحف التسامح هذا قائم على مقبرة عربية»، هذا ما يقوله صاحب ضمير يهودي إسرائيلي فهل ثمة تضليل وإخفاق للحقائق وتزوير للمعالم أكثر من هذا؟ وهل ثمة جرائم مشينة يمكن أن ترتكب بحق الإنسان الفلسطيني أكثر من هذا؟، أكثر مما تفعله السياسة الرسمية الإسرائيلية؟؟.
ويخلص الكاتب الإسرائيلي ميخائيل إلى نتيجة  فيقول، «مقدساتنا مقدسة للأبد، بينما مقدساتهم (يقصد مقدسات المسلمين والمسيحيين) أعوذ بالله (أي غير مقدسة)، وهي عقارات متوفرة للحدائق، سقالات تُبنى عليها (قصور السلام والتسامح)، أو مجرد حجارة للدوس عليها فيما نحن نبكي ونعول عويل القوزاق المغتصب، حينما يصرخ وهو المعتدى المغتصب فيصرخ: أخذوا لي، سلبوا لي، دنسوا لي».
وجود ذوات إسرائيلية لها ضمير صادق، ونزعة إنسانية واقعية، مكسب كبير للشعب العربي الفلسطيني مهما كان عددهم صغيراً أو محدوداً، ولكنهم حينما يتحلون بالشجاعة والنُبل مثل ب.ميخائيل فهذا مكسب لنا ولتاريخنا ولحقنا ولمستقبلنا كعرب ومسلمين ومسيحيين ومكسب لنضال الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته وشرعية مطالبه وأمل للاقتراب من تحقيق تطلعاته، وهو أحد أدوات انتصاره وهذا هو المهم، انتصار للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الصهيوني. 
كم من المنظمات السياسية في العالم العربي، ومن مؤسسات المجتمع المدني عندنا، ومن أولئك الذين يصرخون وإن كان صراخهم مقبولاً ضد التطبيع، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، كم من هؤلاء من بين صفوفنا من يهتم بشخصية نبيلة صادقة شجاعة أمثال د.ميخائيل كيهودي إسرائيلي يقف بشجاعة مع الشعب الفلسطيني، كم منا يعمل على تقدير موقف ب.ميخائيل المعلن؟؟ ألا يستحق ذلك كلمة تقدير وبيان موقف من مؤسسات أردنية وعربية وإسلامية ومسيحية حينما يُعلن انحيازه لفلسطين ولمقدساتها ولشعبها؟؟.