يبدو أن الوضع الداخلي الفلسطيني _ بدوره _ لم يعد أفضل حالا بكثير عن الوضع الخارجي، نقصد مستقبل الحالة الفلسطينية برمتها، إن كان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي المستمر والمتواصل، أو ذلك المتعلق بالعلاقات الفلسطينية الخارجية، مع الدول العربية ومع دول الجوار، وحتى مع مثلث القوة الإقليمي، أو حتى مع مراكز القرار الكوني.
فإذا كانت الأوراق قد اختلطت حقاً، لدرجة أن بات عدو الأمس صديق اليوم، ولدرجة أن صداقات وتحالفات سياسية ظهرت دون الحاجة لعقد الاتفاقيات والتفاهمات، لدرجة أن يتبجح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بان الكثير من الدول العربية باتت على استعداد لإقامة علاقات مع إسرائيل دون اشتراط التوصل للحل مع الجانب الفلسطيني، ولدرجة أن يرفع شعاراً سياسياً جديداً، نسمعه من إسرائيل لأول مرة، وهو السلام مع العرب أولا !
لسنا هنا بصدد التوقف كثيرا أمام ما أعلنه نتنياهو، لمناقشته ودحضه، فالرئيس المصري أنور السادات عقد أولا اتفاق السلام بين اكبر دولة عربية وبين إسرائيل وقبل أوسلو بأكثر من عقد ونصف، ورغم خروج مصر من يومها من دائرة الحرب مع إسرائيل، إلا أن السلام مع العرب بل حتى مع مصر / الشعبية لم يحدث، ومثل هذا الأمر، قد يحدث في حال عقدت بعض الدول العربية تحالفات عسكرية أو أقامت علاقات سياسية مع دولة الكيان الإسرائيلي، بمعزل عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية بدافع رد الخطر الإيراني ودون الحاجة للتحالف مع تركيا، فان الشعوب العربية التي أسقطت أنظمة، وما زالت تواصل طريق الثورة على من تبقى من أنظمة، لن «تطبّع» مع إسرائيل، وستجيء اللحظة التي تحقق فيها الشعوب العربية أهدافها بالحرية والوحدة وتفرض الانكفاء على المشروع الصهيوني .
لكننا بصدد القول بان الحلفاء الإقليميين لطرفي المعادلة السياسية الداخلية، يواجهون تراجعا في النفوذ الإقليمي وفي أكثر من ملف، فبعد أن تراجعت قوة محور تركيا / قطر / الأخوان بعد سقوط نظام الرئيس الإخواني في مصر محمد مرسي العياط قبل ثلاث سنوات، وما تلاه من سقوط لحكومة النهضة في تونس، وصولا إلى لحظة كاد فيها نظام اردوغان في تركيا يسقط، بدا أن حركة حماس قد تأثرت كثيرا، فباتت أحلامها في القبض على مثلث السلطة الفلسطيني (غزة، الضفة، و م ت ف) في خبر كان، وبعد أن تطورت الأحداث لتشهد خلال الأشهر القليلة الماضية مع استمرار التوتر الأمني في سيناء، واستمرار المصاعب الاقتصادية، تراجعا في العلاقات بين مصر وكل من السعودية والإمارات، خاصة بعد التقارب الحثيث بين القاهرة وكل من طهران ودمشق، ولوجاً من بوابة موسكو، فبات الطرف الآخر من المعادلة الداخلية، نقصد السلطة وحركة فتح، يواجه بدوره مصاعب أو متاعب في علاقته بالمحور الإقليمي الحليف.
في الحقيقة إن دخول روسيا قبل نحو عامين على خط الحرب داخل سورية قلب الموازين، فقبل أن تقترب مصر من دمشق، فعلت أنقرة، وتحت ضغوط المستجدات السياسية، تتغير المواقف، وفي الحقيقة فان التباين في الموقف بين مصر والسعودية تجاه إيران وتركيا وهما طرفان من مربع النفوذ الإقليمي إضافة لإسرائيل، ومصر / السعودية ظهر في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في تركيا هذا العام، وظهر أن مصر لا تكن الود لأنقرة، فيما الرياض لا تطيق طهران، وبينما تظهر مصر مشاعر طيبة تجاه طهران ودمشق، تظهر الرياض مشاعر ودية تجاه أنقرة !
المهم، أن كلا من «فتح» و»حماس» تواجهان استحقاقا داخليا بات ضاغطا مع تطور الأحداث الإقليمية خاصة فيما يخص الحلفاء الإقليميين، والذين بسبب من تراجع نفوذهم الإقليمي وبسبب من مشاكل داخلية، باتوا يتصرفون على أساس « حلها « على حساب الجانب الفلسطيني، أو على الأقل باتت قدرتهم على مساعدة ودعم الجانب الفلسطيني، بطرفيه، محدودة .
لا يمكن لنا إلا أن نفكر بترجيح أن يخرج مؤتمر «حماس» في الربع الأول من العام القادم، بتغيير الرأس القيادي، من خالد مشعل إلى إسماعيل هنية، ويبدو أن هذا الأمر يرضي أو على الأقل يخفف من التشدد الإسرائيلي بعدم التعامل السياسي مع «حماس»، فمشعل ظل «رمزا للمانعة والتحالف بين حماس ومحور إيران / سورية ) فيما هنية بقي «معتدلا» وراهن منذ وقت مبكر على تركيا والأخوان، ولأن مشعل يقيم في قطر، فقد احتاج هنية للذهاب إلى قطر _ ولم يحتج الذهاب لأنقرة _ ليقنع الشيخ تميم بأهليته في قيادة «حماس».
أما الرئيس محمود عباس فبعد تزايد المطالبة داخل «فتح» باختيار نائب أو نواب له، لتجنب احتمال أن يرأس السلطة رئيس المجلس التشريعي الحمساوي، وان تفشل «فتح» في اختيار خليفة له، فقد ذهب لأنقرة ومن ثم للدوحة، ليجد حلا لضغط الحلفاء بخارطة طريقهم للمصالحة الفلسطينية، بممر إجباري، لم تقبله «فتح».
على الأغلب أن «حماس» طالبت بثمن لموافقتها على طلب الرئيس عباس من مشعل وهنية في الدوحة تسهيل سفر أعضاء مؤتمر «فتح» من غزة الى رام الله، ونظن أن الثمن كان المطالبة أن يفتح أبو مازن الباب لمشعل لخلافته في م ت ف.
المؤكد أن المحور الإقليمي العربي بات يواجه انقساما يؤثر سلبا على حركة فتح وعلى السلطة، حيث _ بتقديرنا، ستدخل تعقيدات العلاقات الإقليمية إلى داخل الملعب الفلسطيني بكل تفاصيلها ومشاكلها، ففي غزة، ستجد تحالفا بين بعض «فتح» و»القسّام» وفي غزة والضفة ستجد تحالفا بين «فتح» الرسمية و»حماس» السياسية، وهذا يؤكد أن لا ثوابت نهائية في السياسة، وان متغيرات نوعية قادمة !
عشرُ ساعاتٍ زلزلت إسرائيل، وهزّت الإقليم والعالم
09 أكتوبر 2023