متى نُعدّل حالنا الفلسطيني؟؟

hani
حجم الخط

 

يمر الشعب الفلسطيني هذه الأيام في ظروف صعبة للغاية، تؤثر في حركته وحركة تطوره، كما تؤثر في علاقاته مع محيطه المحلي والإقليمي، والأهم أنها تؤثر في طريقة تفكيره وأسلوبه في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يفعل مفاعيله من أجل إدامة الانقسام الفلسطيني.
العلاقات الفلسطينية الداخلية في أسوأ أحوالها، بل هي تزيد تعقيداً وتخبطاً سواء في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، أو في إطار العلاقات الفصائلية والاجتماعية، غير أن عنوان هذا التطور السلبي أساسه الفصائل التي أتعبت الإنسان الفلسطيني وزادت همومه هموماً.
الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي دفع الشعب فاتورته وتجرّع سمه، لم يعد مقتصراً على «فتح» و»حماس» فحسب، وإنما أصاب الأولى بما أنتج تصاعد الخلافات في حركة «فتح» نفسها، التي تتقدم صفوف التنظيمات الفلسطينية الأخرى في خط مسير المشروع الوطني الفلسطيني التحرري.
بعيداً عن توصيف هذا الخلاف والدخول في تفاصيله، ما ينبغي قوله هنا إن الشعب الفلسطيني لا يستأهل أن يتعرض إلى هذا النوع من النكسات، خصوصاً وأن الانقسام يعني «كولسات» ودخول أطراف داخلية وخارجية تسعى لصب الزيت على النار.
في حقيقة الأمر يؤثر أي خلاف فتحاوي داخلي على كامل الجسد الفلسطيني، لأن حركة «فتح» ليست تنظيماً صغيراً مركونا على جنب، أو تنظيما ضعيف الحجم والحضور وفاقد القدرة على القيام بدوره تجاه المواطن والوطن، بل «فتح» تعتبر قائدة المشروع الوطني الفلسطيني، وحينما تصاب بلوثة الخلافات فإن المشروع الوطني يتأخر وينتكس هو الآخر.
من تجربة الانقسام الفتحاوي- الحمساوي، حصل أن الشعب الفلسطيني رتب أولوياته بناءً على معطيات الانقسام، فهو ركّز على الحياة العامة والخاصة، يشمل ذلك الراتب الشهري ومستلزمات المعيشة، بينما فقد شهية الانتباه للقضايا الوطنية النضالية.
نعم لم يعد الفلسطينيون متحمسين لمحاربة إسرائيل كما كانوا بالأمس، فقد كانوا أيام زمان معبئين بالهمة والوطنية العالية، وظلوا على الدوام يتربصون بالاحتلال في كل مكان وزمان، غير أنهم اليوم قلقون على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، في ظل انقسام يقسمهم أفقياً وعامودياًَ.
والحديث عن الخلاف الفتحاوي الداخلي تستغله إسرائيل في سبيل نشر دعايات مغرضة عنوانها التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، من حيث وضع سيناريوهات تستهدف العد التنازلي لولاية الرئيس، يستتبع ذلك التحضير لاحتمال وقوع مواجهات فلسطينية- فلسطينية حسب تعبير مصادرها.
لابد من التأكيد خصوصاً ونحن قاب قوسين أو أدنى من عقد المؤتمر السابع لحركة «فتح» أواخر الشهر الجاري، الذي يناقش قضايا تنظيمية ووطنية جد مهمة انها ستكون كارثة لو أن المؤتمر سيركّز على إدارة الانقسام دون حلّه، بصرف النظر عن طرق الحل، لأن ذلك سيعني عودة القضية الفلسطينية إلى الوراء وتأخر الفلسطينيين عن اللحاق بالتنمية والتطور، حتى التأخر في مقارعة الاحتلال بأسلحة العزيمة والإرادة والصبر.
المفروض على المؤتمر السابع لحركة «فتح» المرتقب أن يكبح جماح الانقسام وأن يخفف من لكماته، كوننا أمام مرحلة نحتاج فيها إلى التوحد ضد السياسات الإسرائيلية التي تستثمر ملف الانقسام بأنواعه، من أجل تمرير قرارات عنصرية من شأنها أن تؤدي إلى الإطاحة بالدولة الفلسطينية المستقلة.
بالفعل يجوز القول إن ما أصاب الجسد الفلسطيني من اعتلالات أساسها أصحابه، شكلت حافزاً لإسرائيل من أجل الاستئساد والاستئثار بالقضية الفلسطينية، فهناك دول كثيرة تنظر إلى الفلسطينيين بعين الشماتة، وأخرى لا تعيرهم الاهتمام لأنها منشغلة بأمور تراها أهم من الانقسام الفلسطيني الداخلي.
لو استثمر الفلسطينيون في تطهير الانقسام وإعادة اللحمة الوطنية كما كانت حاله قبل حزيران 2007، ولو كرسوا جهدهم في فضح الاحتلال وأساليبه العنصرية في إفشال المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، لكانت دول كثيرة مشغولة بأوضاعها أو عكس ذلك، تعطي اهتماماً للقضية الفلسطينية والنضال ضد الاحتلال.
في الوقت الذي تخدم فيه الحكومة الإسرائيلية الاستيطان أكثر من أي حكومة أخرى، وتخلص لهذا المشروع في إطار تهويد الضفة الغربية وإلحاقها بالدولة العبرية، يواصل الفلسطينيون الشكوى لأنفسهم ولأصدقائهم العرب بأنهم غير قادرين على إنهاء الانقسام.
وفي الوقت الذي تمتلك فيه إسرائيل مشروعاً صريحاً يقضي بتحويل الضفة الغربية إلى جزر ديمغرافية فلسطينية متباعدة، وتمكين فصل الضفة عن غزة، ومنع قيام أي دولة مستقلة ذات سيادة، فإن الفلسطينيين بانقسامهم يخدمون إسرائيل في تعزيز مشروعها هذا ضدهم.
المطلوب إفاقة مستعجلة من هذا الوضع المزري، والعمل على معالجة الانقسام وتصحيح مظاهر الخلل، إن لم يكن بإعادة الوئام الفتحاوي الداخلي، فعلى الأقل بتخفيف آثاره، والعمل أيضاً على إيجاد صيغة تفاهمية لإدارة الكل الفلسطيني، إن لم يكن بدواعي الوحدة، فعلى الأقل بدواعي المحاصصة.
غير ذلك، فإننا نشهد ذهاباً إلى القاع، والذهاب هناك ربما يقود إلى قطع تذكرة ذهاب بلا عودة، لأن أخطر ما على فلسطين، أن تتحمل انقسامين كبيرين صعبين، واحتلالاً بغيضاً لا يفهم شيئاً سوى التعجيل في تفتيت القضية الفلسطينية.