تعزيز عوامل الصمود قضية باتت محورية وملحة تماما كما كانت درجة أهميتها في الثمانينات من القرن الماضي، الناس اليوم بحاجة إلى ترسيخ قناعتهم بجدوى صمودهم وبحاجة لبرنامج يتحقق على الأرض يقود الى تعزيز الصمود والبقاء على الارض، اليوم السؤال المحوري وفي ظل فقدان السيادة على الغذاء ومصادر الغذاء الارض والمياه كيف ستتحقق عوامل الصمود.
في السبعينات وحتى أواخر الثمانينات كانت الأرض عنوان الصمود، كان موسم قطف الزيتون عرسا وطنيا بامتياز، وكانت العونة نموذجا، ولم يكن هناك لا دول مانحة ولا مؤسسات مانحة تغطي تلك العونة، كانت الناس تذهب من تلقاء نفسها، كان طلبة جامعة بيرزيت ينظمون انفسهم بفرق عمل تطوعي تغطي الضفة الغربية وقطاع غزة، الى ان تطور الأمر وبات شرطا من شروط التخرج اتمام ساعات عمل تطوعي، وكان يترافق مع موسم الزيت زكاة زيت الزيتون التي كانت تدفع لصندوق الطالب المحتاج وتغطي جمعيات خيرية رائدة مثل جمعية إنعاش الأسرة في مدينة البيرة.
اليوم الأرض ليست مصدر الرزق الأساس وليست مصدر التمويل الوحيد لإعالة الأسر الفلسطينية، اليوم يستطيع احدهم بصوت مرتفع ان يقول: لقد ضمنت الزيتون على الثلث، ويستطيع احدهم ان يقول ان الارض لم تعد تأت بهمها، وهذا اضعاف وزعزعة لعوامل الصمود والبقاء والثبات على الارض، وقد يرى ذلك المواطن الباقي على ارضه وقرب زيتونه بحكم انه قريب بموقع عمله أو تجارته بالتالي هو "حارس الأرض "ولكنه في حقيقة الأمر قد يرى نظرة تعاطف وحزن معه من بقية العائلة الذين أخذتهم ظروف العمل بالجغرافيا بعيدا عن الارض، فيقال تركنا أخي الأصغر ليبقى " ذيال" حول الارض يرعاها واحنا كل ما مال بندعمه.
حتى ان مفهوم الصمود والبقاء بات غير واضح، هناك من يدعو اليه ولكن لا يوجد اجماع حول مفهومه، ترى اذا كان المواطن يقطن المدينة ولا يمتلك ارضا زراعية ولا موسما زراعيا يرعاه، هل خرج هذا من دائرة الاستهداف بتعزيز صموده؟ ... هل خرج من ذات المفهوم والتعزيز من بات من ذوي الياقات البيضاء الذين يعملون في الشركات والمؤسسات المصرفية والمصانع؟ ... هل بات الكتاب والصحافيون والاكاديميون مبشرين بتعزيز الصمود وهم خارج منظور تعزيز الصمود؟
في السبعينات وفي الثمانينات كانت النقابات العمالية والنقابات المهنية ومجالس الطلبة والعمل التطوعي والبلديات عناوين مؤسسات تعزيز الصمود والبقاء والثبات على الارض، وكانت هناك رؤية وفلسفة صمود أعلت من شأن العمل وعززت انتماء جيل بأكمله، وباتت هناك أدبيات حول فلسفة دعم الصمود وتعزيز البقاء بات هناك أدبيات تتحدث عن الأرض رحى العصا في مواجهة الاستيطان، لم يكن هناك من ينتسب لنقابة أو عمل تطوعي وهو ينتظر مقابلا، بل كان يرى في عيون مزارعي الجفتلك ومرج نعجة والعوجا وطوباس وجنين وطولكرم وسكان المخيم، وهؤلاء الشباب يسوون شارع بالباطون ويتركون وسطه قناة لتسريب المياه تقديراً واحتراماً، كان كل من يشارك يرى أن شرط مشاركته دون إلزام ان يكون قارئاً ويناقش ما يقرأ مع الآخرين.
اليوم باتت قمة العونة والعمل التطوعي هو فض النزاعات بين الناس التي تصاعدت نتيجة الحاجة لاستعادة الثقة بمكونات الحياة، وما ترى الا ثلة من الرجال متجهة الى هنا لفض نزاع وفض خلاف والتحكيم بارث والتحكيم بقسمة مبنى، ولا يقيم ان هذا الجهد الضائع لو وضع في معالجة أسباب تفاقم هذه النزاعات وتصاعدها والتنكر للحقوق لكانت النتيجة تنعكس تماما على تعزيز عوامل الصمود.
هناك ضعف في إيصال الرسالة الإعلامية التي تعكس الجهد المتواضع باتجاه تعزيز الصمود، وبات الأمر اليوم عبارة عن رسالة إعلامية تصدرها إدارة الاحتلال المدنية من خلال الحديث عن تسهيلات للمزارعين وتصدير منتجات ومساعدة للمزارعين في قطاف الزيتون، وللأسف ان بعض وسائل الإعلام تقع في الشرك وتنشرها كبشرى للناس وقد تكون الرسالة الإعلامية الفلسطينية لا تصل.
اليوم ترى إعلاناً عن ضبط منتجات وأغذية فاسدة، ولكن الأشباح تظل سيدة الموقف، حيث لا نعلم من الجاني ومن هو المجني عليه وما هو الحكم وما هو التعويض للمجني عليه.
كيف يصمد الناس وبإمكان مهرب أن يضرب قطاع ثروة حيوانية كاملا ؟... كيف يصمدون ويستطيع مضارب غير قانوني مفسد أن يغرق السوق بمنتجات لا قيمة لها ولا تستحق ما يدفع المستهلك ثمنا لها حتى لو انخفض الثمن؟ ... كيف يصمدون وطلاسم الفواتير ونظام الفوترة لا يفكها احد؟ ... كيف يصمدون ولا يوجد قطاع نقل عام متطور ويلبي احتياجات الزيادة السكانية والاحتياجات السكانية ... ؟
اليوم بتنا بحاجة لإعادة الاعتبار لمفهوم الصمود ومكوناته وسبل انفاذه على ارض الواقع، والصمود ليس مالاً ولكنه برامج ونشاطات وابداعات تعزز الصمود، قد تكون أحياناً مكلفة مالياً وغالباً تكون لا علاقة لها بالمال، الصمود يحتاج إلى إرادة وقد تتمثل تلك الارادة بمؤسسة ثقافية أو إبداعية تصنع حولها مئات الفرص والنماذج لتعزيز الصمود، وقد يكون الصمود في المناطق الزراعية والتي يطلق عليها سلة الغذاء برنامجاً واضحاً متكاملاً، وقد يكون تعزيزا لمبادرات في تلك المناطق يبادر لها القطاع الخاص أو مجموعة من المزارعين أو على شكل تعاونية زراعية، قد يكون الصمود بتعزيز مفهوم السيادة على الغذاء والتعاطي مع حال الغذاء في فلسطين في ظل التغير المناخي وموقع فلسطين من الرؤية العالمية للتغير المناخي وعدالة المناخ.
لن يسعف الصمود إعلام العلاقات العامة، بل لن يكون الحل الا بالإعلام التنموي الذي يحمل رسالة الصمود ويعكس أولويات واحتياجات ومواقع الصمود.
إلى أين يفضي أكتوبر الفلسطيني؟
11 أكتوبر 2023