قبل 21 سنة وجّه متدين إسرائيلي اسمه يغآل عمير رصاصاته القاتلة إلى صدر رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك اسحق رابين لدى خروجه من مهرجان أقيم في تل أبيب للاحتفال بالسلام مع الفلسطينيين. لم تنه هذه الرصاصات حياة رابين وحده بل شكلت بداية نهاية العملية السياسية التفاوضية مع الفلسطينيين، والأهم من ذلك بداية نهاية حزب العمل التاريخي الذي رأسه اسحق رابين وتجرأ على قيادة مفاوضات سرية تاريخية كانت الأولى من نوعها مع الفلسطينيين.
في مثل هذا اليوم من كل سنة يتجمع أنصار معسكر السلام في إسرائيل والجمهور الإسرائيلي المؤيد لفكرة التسوية السياسية وحل دولتين لشعبين لاحياء هذه الذكرى التي تحولت إلى احتفال شعائري رمزي من غير ان تكون له أية دلالات سياسية محددة. ولكن هذه السنة أعلن منظمو المناسبة الغاء الذكرى لعدم تمكنهم من جمع المبالغ المطلوبة، قبل أن يعلن حزب "المعسكر الصهيوني" وهو عبارة عن تحالف بين حزب العمل بزعامة إسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني زعيمة حزب "الحركة"، انه سيتولى هذه السنة الاعداد للمناسبة، وقد شكل هذا دليلاً على مدى اضمحلال الحدث وتراجع الاهتمام الشعبي به.
ماذا بقي من الإرث السياسي لإسحق رابين بعد 21 سنة؟ لم يبق شيء تقريباً من الدينامية التفاوضية التي استطاع الطاقم التفاوضي الذي كلفه رابين عملية التحاور مع الفلسطينيين والتي يرويها بصورة مشوقة أحمد قريع في كتابه "الطريق إلى أوسلو". كما ذهبت أدراج الرياح كل الخطط والأفكار والمشاريع التي وضعها الطرفان لايجاد حلول خلاّقة للمسائل الخلافية الجوهرية. لم يفلح اتفاق أوسلو في تقريب السلام مع الفلسطينيين، فقد تعثرت مراحل تنفيذ الاتفاق بعد اغتيال رابين، ووصلت المفاوضات السياسية مع ياسر عرفات الى حائط مسدود بعد قمة كمب ديفيد في تموز 2000، مما أدى الى نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتتمة يعرفها الجميع.
لكن ما جرى لإرث رابين على صعيد حزب العمل نفسه كان أمراً مخيباً للآمال، فحزب العمل برئاسة إيهود باراك عام 1999 كان أول من تخلى عن ذلك الارث. فقد عمد باراك إلى تغييرالهوية السياسية لهذا الحزب وابتعد به عن اليسار ومعسكر السلام وجعله أقرب إلى يسار حزب الليكود اليميني. واليوم لم يبق شيء يذكر من ارث رابين في حزب العمل وخصوصاً بعد تبنيه فكرة "الانسحاب من طرف واحد".
إن المصير الكئيب الذي لاقاه إرث رابين هو من أسباب صعود تيارات اليمين القومي المتطرف في إسرائيل الذي لا يعترف بشعب فلسطيني ولا بتسوية معه.
عن النهار اللبنانية