يشكل المسلمون 33 مليون مواطن في أميركا بنسبة واحد في المائة من مجموع السكان، هؤلاء لم يشكلوا حتى الآن نسبة تصويت ذات أهمية في انتخابات الرئاسة الأميركية، ويعود ذلك الى غياب عنصر التنظيم وفي الغالب عدم الاندماج في المجتمع الأميركي، لذلك لم يحاول أي مرشح أميركي بشكل جدي اجتذاب أصواتهم، باستثناء هؤلاء المسلمين السود، الذين يتم التقرب منهم لأسباب تعود إلى تمثيلهم العالي من المسلمين وغير المسلمين وهم الأكثر تنظيماً مقارنة مع الأقلية الإسلامية التي تضم بين صفوفها أقلية عربية، أيضاً.
ومع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية قبل بضعة أشهر، كان أبرز المرشحين الذين لم يتوانوا عن مهاجمة المسلمين، هو المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وظل هذا الهجوم، أحد أهم نقاط برنامجه الانتخابي، سواء في الحملة لاختيار الحزب الجمهوري، أو بعدما بات مرشح هذا الحزب الوحيد، رغم ذلك، وربما ما يشكل مفاجأة للكثيرين فإن نسبة المسلمين الداعمين لترشيحه رئيساً في تزايد، منذ حملته الداخلية في الحزب الجمهوري، أم بعد ما بات منافساً وحيداً لمرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون.
في استطلاع أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية في آذار الماضي، وشمل 2000 من الناخبين المسلمين في 6 ولايات، أن ترامب يحتل المركز الثالث بعد هيلاري كلينتون وبارني ساندرز، الديمقراطيين، أي أن ترامب هو الخيار الأول لناخبي الحزب الجمهوري من المسلمين والعرب، فقد أيد 11 في المائة ترشيحه لرئاسة الولايات المتحدة.
يشار بهذا الصدد الى أن العرب الأميركيين يميلون عادة إلى الحزب الجمهوري، ويشار في هذا السياق، الى أن الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، حصل على 44 في المائة من اصوات العرب الأميركيين، عام 2000، الأمر الجدير بدراسة أعمق لاكتشاف أسباب ميل مجموعات عربية للحزب الجمهوري ومرشحيه على الرغم من العداء المستحكم للعرب والمسلمين عموماً من قبل هذا الحزب.
إلاّ أن ذلك لا يمنع من إبداء ملاحظات سريعة حول الحظوة التي يمتاز بها ترامب لدى بعض المسلمين والعرب، فإضافة إلى أن هناك أعداداً كبيرة من هؤلاء من مؤيدي الحزب الجمهوري تقليدياً، إلاّ أن البعض يشير إلى أن المسألة الأهم، في هذا السياق، تعود إلى سياسته الداخلية، خفض الضرائب وخفض الإنفاق الفيدرالي، ما يحسن الاقتصاد الأميركي ويعود بالنفع على كل الأميركيين، صحيح أن ترامب عنصري، إلاّ أن هذه العنصرية شاملة، ليس ضد المسلمين فحسب، بل ضد كل المهاجرين وخاصة من أميركا اللاتينية، هذا أمر سيئ بطبيعة الحال، إلاّ أن الحزب الديمقراطي ليس أقل عنصرية، إذ أن عنصريته تتجلّى من خلال الأفعال وليس الأقوال.
في تجربة رئاسة الديمقراطيين، خاصة في ولايتي اوباما، أظهر الحزب ضعفاً كبيراً في مواجهة التهديدات الخارجية، ولم يتبن سياسة واضحة في الشرق الأوسط، وفشل في مواجهة السياسة الإسرائيلية، خاصة في ملفي الاستيطان والمفاوضات، إضافة إلى أنه في عهده، كانت أكبر صفقة دعم مالي وعسكري للدولة العبرية.
وعلى شاكلة حملة ترامب في إسرائيل، حيث تشكّلت هناك مجموعة «إسرائيليون من أجل ترامب»، تشكلت مجموعتان إضافيتان، إحداهما في أميركا، «مسلمون من أجل ترامب»، وأخرى في مصر «مصريون من أجل ترامب»، هؤلاء يقرون أن ترامب عشوائي وحتى أنه غبي بعض الشيء ـ كما أشار أحد من سألتهم هيئة الإذاعة البريطانية في استطلاع للآراء ـ إلاّ أنه محق فيما أشار إليه من عداء للمسلمين، فهو يعادي المسلمين اللاجئين إلى الولايات المتحدة، وليس كل المسلمين، وهذا العداء، مبرر لأن ذلك سيدفع بترامب إلى الوقوف في وجه «داعش» وكافة المنظمات الإسلامية المتطرفة، وهذا شيء جيد للمسلمين الحقيقيين ـ المشكلة في هذا التبرير، أن هؤلاء المسلمين كانوا مهاجرين قبل أن يصبحوا أميركيين من أصول إسلامية وعربية!! ـ بينما الحزب الديمقراطي أثناء ولاية اوباما لثماني سنوات، شجع بعض القوى الإسلامية، وتحالف مع بعض دول الخليج لصالح دعم هذه القوى، دون أن ننسى ـ حسب هؤلاء ـ أن كلينتون عندما كانت وزيرة خارجية، دعمت وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في جمهورية مصر العربية، مستثمرة بشكل خطير، نتائج الثورة المصرية والربيع العربي باتجاه يدعم انتشار الوهابية في المنطقة العربية انطلاقاً من مصر!
الشخصية الغريبة، صاحبة التصريحات العنصرية والمعادية للمهاجرين عموماً والعرب والمسلمين على وجه الخصوص، تجد لدى بعض هؤلاء تأييداً ودعماً، وهو أمر مفاجئ تماماً لمن لا يعرف طبيعة الجمهور الأميركي الذي يميل إلى الرهانات والمجازفات، ورغم أن العرب والمسلمين الأميركيين، لم يجدوا طريقهم نحو الاندماج الطبيعي في المجتمع الأميركي، إلاّ أن تأييد البعض منهم للمرشح الجمهوري ترامب، يشير إلى أن هذا البعض اكتسب بعض مميزات هذا المجتمع، دون وعي منه، وإذا كان هذا الأمر يشكل مفاجأة للكثيرين، فإن إمكانية وصول ترامب إلى البيت الأبيض، قد يكون المفاجأة الكبرى، حتى لهؤلاء الذين ينتمون للحزب الجمهوري ذاته، وللتذكير، فإن بعض أهم قيادات الحزب الجمهوري أعلنت أنها لن تصوت لصالح ترامب، بينما أعداد متزايدة من العرب والمسلمين سيصوتون لصالحه بعد يومين!!