وطنية مبادرة «الجهاد» لا تمنحها الطاقة اللازمة للنجاح

طلال عوكل
حجم الخط

المبادرة الشاملة التي طرقها أمين علم حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح، لمعالجة الشأن السياسي العام و الشأن الداخلي تحمل هوية الحركة التي يقودها شلح، بينما المطلوب وفق الوقائع المحددة، مبادرة تحمل و تعبر عن الهوية الوطنية العامة بكل ما تنطوي عليه الحالة الفلسطينية من تنوع و تضارب.
المبادرة عمليا، تؤكد من جديد، الطابع الإسلامي الوطني لحركة الجهاد كما تؤكد على مصداقيتها و ثباتها على سياستها و مواقفها ازاء كل ما يتفاعل على ارض الصراع مع الاحتلا الإسرائيلي.
حركة الجهاد الإسلامي رفضت منذ البداية اتفاقية اوسلو، ورفضت الاعتراف بإسرائيل، ورفضت أيضا الرؤية السياسية التي تقوم على تبني المفاوضات كإستراتيجية لإنتزاع الحد الأدنى من الحقوق الوطنية وبدون ان تنكر اهمية العمل السياسي و الدبلوماسي ظلت الحركة تعتمد اسلوب الكفاح المسلح بإعتباره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.
وفي الشأن السياسي أيضا لا تتبنى حركة الجهاد المشروع الوطني الفلسطيني في الشق الذي يتعلق بالهدف و لمقصود اقامة الدولة على الأراضي المحتلة عام 1967، وظلت تتمسك بالهدف التاريخي وهو تحرير كل فلسطين التاريخية.
و لم تبد حركة الجهاد أي استعداد للدخول في السلطة، او المشاركة في الانتخابات، اية انتخابات سياسية، و لكنها ايضا وإن كانت خارج اطار منظمة التحرير الا انها لم تطرح نفسها منافسا او مضاربا على مسألة التمثيل الفلسطيني العام.
وبالإجمال ابدت حركة الجهاد الإسلامي، مرونة عالية واستجابة سريعة لكل مبادرة سعت من اجل انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وهي لم تكن ولا مرة عائقا امام اية اتفاقات او خطوات، تؤدي الى تحقيق هذا الهدف. وازاء العلاقات مع المحيط العربي و الإسلامي عرفت الحركة بثبات رؤيتها و سلوكها و تحالفاتها، وتشتغل في هذا الإطار على ثوابت اصبحت معروفة وتستحق الإحترام ، لكونها لا تستفز احدا، لأنها ان كانت في موقع ما، فإن ذلك لا يعني انها تعمل ضد المواقع الأخرى.
اذا حاولنا فحص مبادرة الدكتور شلح، فإننا بسهولة سنصل الى استنتاج إن هذه المبادرة هي تجديد اعلان الجهاد عن ثبات سياساتها ومواقفها اكثر مما انها مبادرة واقعية لاخراج الحالة الفلسطينية من ازمتها بل ازماتها.
نظريا واخلاقيا، المبادرة تنطوي على براءة وطنية، ونظافة الدوافع بحيث لا يستطيع اي وطني فلسطيني ان يتعامل معها بالجملة من موقع القبول او الرفض إنطلاقا من جدواها في تحقيق الأهداف التي تقف وراءها.
يمكن لحركة حماس و الجبهة الشعبية وربما نسبيا الجبهة الديمقراطية ان تتخذ موقفا من المبادرة يعبر عن التبني الكامل لها بغض النظر عن اية ملاحظات تفصيلية لكن المبادرة ليست مطروحة فقط على هؤلاء ففي الساحة الفلسطينية فصائل اخرى ذات وزن و فعالية على رأسها حركة فتح، لا يمكنها انطلاقا من برامجها وسياستها ومواقفها والتزاماتها ان توافق من حيث المبدأ على إجراء حوار على اساس هذه المبادرة.
منظمة التحرير وقائدتها حركة فتح، لا تزال ملتزمة بإتفاقية اوسلو، وتعترف بإسرائيل، وهي لا تزال تبني استراتيجية تحقيق السلام من خلال المفاوضات وهي تعتمد الكفاح السياسي و الدبلوماسي، والمقاومة الشعبية السلمية كأسلوب يتقدم على سواه من اشكال الكفاح.
هذه السياسة انتجت سلطة وطنية، اصبحت جزءا رئيسيا من معالم النظام السياسي الفلسطيني، واداة رئيسة من ادوات العلاقة بين فلسطين والمحيط العربي والإسلامي والدولي، وبغض النظر عن ملاحظات كثيرة حول ادائها، وصلاحياتها فإنها قد تحولت الى مؤسسة الدولة الفلسطينية التي تسعى لنيل الاعتراف الكامل بها كعضو كامل الحقوق والواجبات في الامم المتحدة.
مبادرة الجهاد تطالب بإلغاء إتفاقية اوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل، وانتهاج استراتيجية وطنية جديدة قائمة على مبدأ الصراع المفتوح وبكل اشكال النضال وفي مقدمتها الكفاح المسلح، مما يعني حسم الجدال الذي يتعلق بطبيعة المرحلة، والتحول جذريا نحو مرحلة التحرر الوطني بكل ما يستتبع ذلك من تحولات ومتغيرات تتصل بمؤسسات ضخمة.هل يمكن ان يقع مثل هذا الإنقلاب دفعة واحدة، وهل يمكن اتخاذ قرار وطني بحل السلطة، والتخلي عن مسؤولياتها تجاه المجتمع الفلسطيني، في ظل ظروف عربية و دولية مضطربة جدا؟. اشك ان اي حوار فلسطيني موضوعي وجاد قادر على تبني مثل هذه الإستراتيجية الإنقلابية الثورية، التي تنطوي على تكاليف باهظة جدا، ستدفع ثمنها الأطراف التي تتبنى استراتيجية السلام والبرنامج الوطني الذي يسعى لإقامة الدول على الارض المحتلة عام 1967، أما بالنسبة للقوى والإتجاهات السياسية التي تنتمي اليها حركة الجهاد، فإن الأمر لن يختلف كثيرا، لا بل إن ذلك في حال حصوله، يشكل اعترافا من قبل القوى الاخرى بفصاحة العقل والفكر السياسي للفصائل الإسلامية بالدرجة الاولى ويمنحها الاحقية في تسلم زمام القيادة للمرحلة الطويلة المقبلة. مثل هذه المبادرة ان لم تكن هوية حركة الجهاد فإنها دعوة للآخرين لكي ينضموا الى رؤيتها و برنامجها وسياستها، فهل يمكن ان يجد الفلسطينيون حلولا تقوم على مبدأ ان ينضم فريق الى فرق آخر؟
في ظل الظروف المعقدة التي تحيط بالصراع فلسطينيا وعربيا و دوليا، وفي ضوء المعطيات التي ترسم المشهد الفلسطيني الداخلي الراهن، نحتاج الى عقول ومبادرات وسطية، مرنة، ذات رؤية بعيدة، وبعيدة عن المغامرات المكلفة او التطلعات المستعجلة، قبل ان نضع ملامح استراتيجية ثورية تتعلق بالصراع و المشروع الوطني تحتاج الى حوار صريح يعيد بناء منظومة القيم التي تقوم عليها العلاقات الوطنية، نحو اعادة بناء المؤسسة الوطنية على اسس راشحة من اعتماد الديمقراطية وقبول الآخر، والشراكات الحقيقية، واحترام ارادة الرأي العام الفلسطيني.
لا بد من تبرير المخاوف، المتبادلة بين اطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، وحين يتم الإتفاق على انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة، و تمتلك الثقة بالعامل الذاتي يمكن ان ينتقل البحث نحو تطوير وتثوير الاستراتيجيات. هذا يعني ان الرؤية السياسية التي يمكن التوافق عليها من خلال الحوار حول المصالحة لابد ان تتمتع بالمرونة والوسطية والواقعية السياسية حتى لا يدمر الفلسطينيون بأيديهم انجازات تحققت و دفعوا ثمنها غاليا ، ولكل هذا لا اتوقع ان تؤدي المبادرة الى تحريك ذات معنى للمياه الراكدة.