نحو عودة فلسطينيي غزة إلى بلدهم

حمادة فراعنة
حجم الخط

محقون زملائي عمر كلاب، وفهد الخيطان، وخميس عطية، وطارق خوري وغيرهم، لاهتمامهم بقضية فلسطينيي قطاع غزة من المقيمين في الأردن، منذ نكسة العام 1967، وتشردهم عن بلدهم ولجوئهم إلى الأردن طوال الخمسين سنة الماضية، والدفاع عنهم ومطالبة الحكومة بإنصافهم ومنحهم الحقوق المدنية أسوة بالأردنيين لأكثر من سبب.
وبداية لا أزايد على زملائي، فهم الأقدر والأخلص مني في الدفاع عن هذه الشريحة من الفلسطينيين، ولكنني أرغب أن أنبه مجرد التنبيه – بلا مزايدة – على أن هؤلاء شريحة من شرائح الشعب العربي الفلسطيني، وهم ليسوا بغزيين أو "غزازوة" كما يرغب البعض منا تسميتهم، سواء كان قاصداً بذلك، أو جرت العادة وتعود هذا البعض عليها دون قصد مُسبق، ولكنني أُنبه لمجرد التنبيه فقط، على أن هؤلاء جزء من الشعب الفلسطيني وهم فلسطينيون وفلسطينيون أولاً وأخيراً وليسوا مجرد غزيين أو غزازوة، في محاولة التهرب من توصيف هويتهم الوطنية كما هي وكما يجب أن تكون باستبدالها بهوية بديلة غزيين أو غزازوة، كما يحلو لمؤسسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي تقسيم الشعب الفلسطيني في مناطق الاحتلال الأولى العام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة بإطلاق أربع هويات عليهم وهي : 1- دروز، 2- بدو، 3- مسيحيون، 4- عرب إسرائيل، ولولا بسالة الشيوعيين وقياداتهم الفكرية والسياسية والأدبية جورج طوبي، توفيق طوبي، إميل توما، إميل حبيبي، محمود درويش، سميح القاسم ومعهم في وقت لاحق ومتصل بعض القيادات الوطنية القومية أمثال حنا نقارة وصبري جريس وعبد الله نمر درويش وعبد الوهاب دراوشة، ورائد صلاح، الذين تمسكوا بهويتهم الوطنية الفلسطينية وقوميتهم العربية ودياناتهم الإسلامية والمسيحية والدرزية في مواجهة محاولات الأسرلة، لما تحقق لهذا القطاع من الفلسطينيين بروز هويتهم وقوميتهم ودياناتهم والحفاظ عليها، ولذلك يسعى الاحتلال لإطلاق اسم الغزاوي والضفاوي على فلسطينيي مناطق العام 1967، وإظهارها كهويات جهوية بديلة للهوية الوطنية الفلسطينية الواحدة نقيض الهوية الإسرائيلية المفروضة المرفوضة.
لا أقصد من ذلك أن زملائي المحترمين من المتورطين بإطلاق هذه الهوية على فلسطينيي قطاع غزة من المقيمين بالأردن، ولكن كما قلت لمجرد التنبيه، وإعادة تأكيد هوية هؤلاء الضيوف على أرض بلادنا إلى حين حتى ولو طال زمن إقامتهم المؤقتة على أرض الأردنيين، بكل رحابة صدر كما فعل الأردنيون وما زالوا مع أشقائهم العراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين الذين تعرضوا وما زالوا لكل أنواع القسوة غير الإنسانية وغير الأخلاقية على أيدي المقاتلين في بلادهم الذين دمروا سورية وليبيا والعراق واليمن كما سبق وفعلوا في الصومال وكما حاولوا في الجزائر وتونس.
الفلسطينيون من أبناء قطاع غزة المقيمون على أرض الأردن لهم حقوق مدنية واجبة حتى يعودوا إلى بلدهم، وإلى وطنهم الذي لا وطن لهم سواه فلسطين، والأردن ومصر وسورية والعراق وليبيا والخليج وأوروبا وأميركا وأستراليا مكان مؤقت للإقامة حتى يعودوا لبلدهم ووطنهم بكل كرامة واحترام كما يستحقون، حينما تتوفر الفرص والظروف لذلك، وبعد أن ينتزعوا هذا الحق من براثن الصهيونية والاحتلال والعنصرية.
بسالة أهالي قطاع غزة كلفوا الاحتلال الإسرائيلي خسائر كبيرة متعددة متلاحقة فرضت على شارون أن يختار برنامج ترك غزة وانحسار قوات الاحتلال عنها وإزالة قواعده العسكرية وفكفكة المستوطنات عنها منذ العام 2005، ومنذ ذلك الوقت، وعلى أثر الانحسار الإسرائيلي وإزالة المستعمرات وقواعد جيش الاحتلال، هناك سلطة محلية وطنية فلسطينية، ومنذ حزيران 2007 تقود حركة "حماس" قطاع غزة منفردة، على الرغم من الحصار الإسرائيلي على القطاع، ولذلك، ولتأكيد حق العودة، وتنفيذاً للقرارات الدولية والعربية والفلسطينية، علينا، وفي طليعتهم زملائي الأشد حرصاً على أهالي قطاع غزة، علينا وعليهم وعلى الحكومة الأردنية صاحبة الولاية أن تعمل على تسهيل عودة الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة، إلى قطاع غزة، أقول تعمل الحكومة ونحن معها كسياسيين وبرلمانيين وصحافيين وقادة رأي عام، لتسهيل عودة هؤلاء لوطنهم طالما انحسر الاحتلال عن جزء من بلدهم وهم منه، لا أن نطردهم أو نمس بكرامتهم بعد أن عاشوا معنا لخمسين سنة خلت.
على الحكومة صاحبة الولاية، ومعها النواب العمل على وضع برنامج وطني قومي لعودة النازحين مع أبناء قطاع غزة إلى غزة، بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومع حركة حماس، ومع الحكومة المصرية لعودة هذا القطاع من الفلسطينيين لبلدهم ووطنهم، ليستعيدوا هويتهم الوطنية، وجواز سفرهم الفلسطيني، ورقمهم الوطني الفلسطيني، ومن ثم من يرغب منهم، ومن لديه مصلحة منهم أن يأتي إلى الأردن زائراً أو مقيماً، عاملاً أو طالباً للدراسة، فله ذلك، طالما أن سوق العمل الأردني يسمح بذلك، وطالما أن الأنظمة والقوانين الأردنية لا تمنع ذلك، ولكن حينذاك يأتي هؤلاء من فلسطين، باعتبارهم مواطنين فلسطينيين وليسوا كما كانوا وكما هم الآن حيث يحملون هوية "بدون" أي ليسوا بأردنيين وليسوا بفلسطينيين.
محقة الحكومة أن تتراجع عن قراراتها وتسمح لفلسطينيي قطاع غزة من المقيمين في الأردن، أن تسمح لهم بحرية العمل والسكن والتملك كحقوق مدنية فقط أسوة بالأردنيين، ولكن هذه الإجراءات الميسرة لحياتهم عندنا يجب ألا تكون على حساب العمل الدؤوب والمتواصل لعودة هؤلاء إلى قطاع غزة، وبأقرب فرصة ممكنة ومتاحة، وإذا لم تكن متاحة وممكنة علينا أن نعمل لتوفير هذه الفرص، وأن نجهد كي نوفر الظروف والتسهيلات لجعل عودتهم إلى قطاع غزة ممكنة وميسرة عبر العقبة وسيناء، ونوفر جسرا دائما وأداة تواصل مستمرة لتشجيع هؤلاء لعودتهم إلى بلدهم وإلى وطنهم فلسطين – قطاع غزة، وبلا تردد وبلا خوف من جانبنا وجانبهم، هل ندرك؟ هل نفعل؟ هل نرتقي إلى مستوى المعرفة الحقيقة كي نعرف أين تكمن مصلحة الشعب الفلسطيني خارج وطنه فلسطين، وهي أن تكون باتجاه واحد وخيار واحد نحو فلسطين، بلد الفلسطينيين كما هي سورية بلد السوريين ومصر بلد المصريين والأردن بلد الأردنيين.