هل فشلت المبادرة الفرنسية ؟!

هاني حبيب
حجم الخط

لم ترفض إسرائيل المبادرة الفرنسية فحسب، بل انها تطالب باريس بالتوقف عن الترويج لها، هذا ما حدث عندما اجتمع نائب رئيس الأمن القومي ياكوف ناجل والمحامي اسحق مولخو مع المبعوث الفرنسي لعملية السلام بير فيموث قبل يومين، وهذه هي المرة الأولى التي تعلن بها إسرائيل "رسمياً" رفضها القاطع لهذه المبادرة قبل سبعة أسابيع من العد العكسي لعقد مؤتمر السلام في العاصمة الفرنسية حسب نصوص المبادرة الفرنسية.
وعلى الرغم من أن هذه المبادرة تضمنت العديد من النقاط لصالح الدولة العبرية، إلاّ أن الرفض الإسرائيلي الرسمي، يضع علامات استفهام كبيرة أمام حظوظ هذه المبادرة في أن تنجح بعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في العاصمة الفرنسية قبل نهاية العام الجاري، كما كان مرسوماً، فهذه المبادرة تهدف فيما تهدف إلى وقف الاحتقان بالشارع الفلسطيني والإبقاء على أمل خادع بإمكان استئناف العملية التفاوضية بالتوازي مع وقف أعمال المقاومة التي تضمنتها الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، في حين انها ـ المبادرة ستشكل مستنداً لوقف المبادرات الأوروبية بشأن المقاطعة الاقتصادية والثقافية للدولة العبرية ومنتجات المستوطنات التي نشطت في الشهور الأخيرة وباتت تؤثر على الوضع السياسي والاقتصادي لجهة الرأي العام الغربي والأوروبي على وجه الخصوص، في وقت توفر هذه المبادرة مزيداً من الوقت لإسرائيل لاستمرار العملية الاستيطانية ـ لحين التوصل إلى سلام دائم وشامل ليس هناك من أي أمل في الوصول اليه، ذلك أن نصوص التزامن والمواعيد التي تضمنتها المبادرة من السهل على الدولة العبرية عدم الالتزام بها في ظل المبدأ الإسرائيلي الدائم ـ ليس هناك من مواعيد مقدسة.
رغم ذلك، فإن حكومة نتنياهو سبق وأن أعلنت أكثر من مرة رفضها لهذه المبادرة، هذا الرفض الذي بات رسمياً وليس من خلال التصريحات والمواقف الإعلامية، فإسرائيل ترى في هذه المبادرة خروجاً على مبدأ التزمت به طوال الوقت من أنها ترفض أي إشراف أو رعاية دولية أو من قبل أية دولة على المفاوضات التي يجب وبالضرورة أن تكون مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، ومن دون شروط مسبقة، علماً أنه خلال الرعاية الأميركية للمفاوضات، خاصة في عهد وزير الخارجية جون كيري، اقتصر هذا الدور على الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بالشروط الإسرائيلية على استمرار العملية الاستيطانية، وتوقف هذا الدور عندما تطلب ضغطاً على الجانب الإسرائيلي الذي وضع كل العقبات التي كان من شأنها وقف العملية التفاوضية.
وإذ تناولت المبادرة الفرنسية، ضرورة التفاوض حول ملفات الوضع النهائي المؤجلة منذ اتفاق اوسلو، فإن حكومة نتنياهو، لا تريد بحث هذه الملفات، باستثناء ملف الأمن الذي من خلاله يجري التأكيد من قبلها على أن استمرار الاحتلال، هو الضمانة الأكيدة لأمنها.
إلاّ أن الأهم في أسباب الرفض الرسمي الإسرائيلي للمبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي للسلام، يعود إلى رفض الدولة العبرية لحل الدولتين من الناحية العملية، رغم تبجحها طوال الوقت بالتزامها بهذا الحل، إلاّ أن ما يجري من الناحية الواقعية من عملية استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بالتوازي مع عملية التهويد في القدس المحتلة، يجعل من قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.
ويأتي الرفض الإسرائيلي لهذه المبادرة، في ظل موافقة رسمية فلسطينية واضحة على عقد المؤتمر الدولي للسلام في العاصمة الفرنسية، ورغم ما أشرنا إليه من بنود لصالح إسرائيل في هذه المبادرة، إلاّ أن القيادة الفلسطينية، ومن خلال التجربة، تأكدت من رفض إسرائيل لها، فليأت هذا الرفض من قبلها دون أن تتحمّل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تبعات هذا الرفض، إضافة إلى أن القبول الفلسطيني مقابل الرفض الإسرائيلي من شأنه أن يكشف مجدداً عدم جدية الدولة العبرية بالتوصل إلى أي سلام، وأن حديثها عن السلام مجرد كذب وخداع، بات مكشوفاً لدى الرأي العام الدولي.
بعد هذا الرفض الرسمي الإسرائيلي، من المتوقع أن تلجأ فرنسا، كما فعلت في السابق لعقد مؤتمرها الدولي من دون إسرائيل، وربما من دون الجانب الفلسطيني على أن تتوجه بعد المؤتمر إلى مجلس الأمن لبحث القضية الفلسطينية كما وعدت، إلاّ أن فرنسا تعلم جيداً أن تمرير أي مشروع قرار بهذا الشأن تنتصب في مواجهته عراقيل الفيتو الأميركي، خاصة وأن الرئيس الأميركي الحالي، سيكون أمام فرصة للإعراب عن التزامه حتى قبل مغادرته البيض الأبيض بالمصالح الإسرائيلية، ولن يكون بوسع فرنسا أن تتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بهذا الخصوص في الأشهر القادمة، لأنها ستبدأ حملتها الانتخابية للرئاسة الجديدة، بينما الرئيس أو الرئيسة الأميركية الجديدة، ستكون مشغولة بلملمة الأوراق للبدء في المنصب، باستثناء أن لا جديد في التزام أميركا بالأمن الإسرائيلي بصرف النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض!!