فشلت وخابت إستطلاعات الرأي الأميركية، حيث توقعت جميعها وبنسب متفاوتة فوز هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية، وبعضها وصلت به حدود المبالغة بالتأكيد على فوزها بنسبة 90%. لإن ترامب، المرشح الجمهوري كسر طوقها ، وفاز بفارق كبير ساحقا منافسته في المعركة. وهو ما أدى إلى إستخلاص هام، عنوانه "عدم الإعتماد على إستطلاعات الرأي"، لانها ليست مسيسة في دول العالم الثالث فقط، بل وفي العالم الاول. وكأن لسان حال الناخب الأميركي، " صوتي لي، أقرره انا لوحدي بعيدا عن إستطلاعاتكم الهشة".
إنطلاقا من زاوية إستطلاعات الرأي حتى آخر التفاصيل المرتبطة بالإنتخابات الرئاسية الأميركية في هذه الدورة، يمكن الجزم بأنها وفق كل المراقبين السياسيين الأكثر فجورا والأسوأ في تاريخ أميركا كله. لما حملته من إسفاف وهبوط على كافة المستويات. ورغم ان كلا المرشحين لا يمثلان نموذجا يليق بمكانة الولايات المتحدة، إلآ ان الرئيس المنتخب ترامب، كان الأسو من بين المرشحين للاسباب التالية لانه أعلن وعلى الملأ وفي لقاءاته مع انصاره في الولايات المتحدة المختلفة عن مواقف طائشة ولا تليق بمكانة أميركا، منها: اولا انه عنصري، وسيقيم جدارا عازلاً على حدود اميركا مع المكسيك لمنع وصول المهاجرين المكسيكيين او من بلدان أميركا اللاتينية. كما اكد كراهيته للمسلمين والافارقة والملونيين عموما؛ ثانيا معاداته للمرأة، وتحرشه الجنسي بالنساء، وإعتراف عشرة نساء بذلك، وقد قدمن شكوى ضده؛ ثالثا إعلانه انه سيقوم بترحيل المهاجرين، الذين لا يحملون إقامات رسمية؛ رابعا إعلانه بأنه في اليوم الأول من حكمه سيلغي كل القرارات، التي إتخذها الرئيس اوباما وخاصة التأمين الصحي لقطاعات واسعة من الاميركيين؛ خامسا أعلانه الفج والمنحاز بشكل سافر لجانب إسرائيل، ووعده للإسرائيليين بنقل السفارة الاميركية إلى القدس، العاصمة الابدية لدولة فلسطين، وتأكيده، انه سيقدم كل الدعم لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية أكثر من دعم أدارة أوباما، التي فاقت كل دعم الادارات، التي سبقتها، وفرض رؤيتها السياسية على القيادة الفلسطينية بما يستجيب لمصالح وخيار إسرائيل.
بانتخاب أميركا ترامب رئيسا جديدا لها، أعلنت ايضا إنحيازها لصالح الذكورية، حيث حالت دون فوز المرشحة كلينتون. والتي كان يمكن لفوزها، ان يكون سابقة تاريخية في الولايات المتحدة، بانها السيدة الاولى، التي تصل إلى عرش الرئاسة. لكن الناخب الاميركي من الجنسين حسم رفضه لصعود المرأة لسدة الرئاسة. رغم كل عمليات التحريض ضد ترامب حتى من داخل الحزب الجمهوري، ويث الاشاعات والفضائح عن سجله السياسي والاجتماعي والمالي والثقافي ، إلآ ان الشعب الأميركي، كأنه كالطفل الصغير، الذي تنهيه عن أمر ما، فتجده يعمل العكس.
مع ذلك على المرء، ان يعترف بموضوعية، أن الرئيس ترامب كان مقداما ومغامرا لإبعد حد. حتى انه أعلن مواصلة حملته الإنتخابية لوحده في حال قرر الحزب رفع مظلته عنه. وهو ما أكد عناده وقدرته على مواجهة التحديات. ولديه الامكانيات المالية الخاصة. فضلا عن حملة كلينتون وخصوم الرئيس ال45 ، الذين ساهموا مساهمة مباشرة في تغطية نفقات حملته الاعلانية، ووفق بعض المصادر الاعلامية الاميركية، ساهمت تلك القوى في تغطية جزءا اساسيا من حملته الاعلامية والاعلانية بما يزيد عن 4,5 مليار دولار أميركي,
ومع ان الرئيس ترامب اطلق كم من التصريحات الفاجرة والطائشة والصبيانية والعنصرية، غير ان تلك التصريحات أثناء الحملة وأي كانت دلالاتها وخلفياتها ومردودها على فوزه، فإنها تتغير بعد دخوله البيت الابيض، ولن تكون هي ذاتها. وهو ما بدا مبدئيا واضحا في خطاب الفوز أمس، الذي حرص فيه على مخاطبة الشعب الاميركي بكل قطاعاته، مؤكدا لهم، بأنه سيكون لكل الشعب وليس لفريقه وانصاره. يأمل المراقب، ان يكون الرئيس الاميركي الجديد صادقا في توجهه المعلن بعد الفوز، وان يكون على مستوى الاحداث والتطورات العالمية وخاصة المسألة الفلسطينية، والعمل على حلها وفق مرجعيات وقرارات الشرعية الدولية على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وبما يستجيب ومصالح كل الشعوب والقوى في المنطقة وفي طليعتها المصالح الأميركية. التي لن تكون بمنأى عن ردود الفعل الغاضبة في حال واصل خيار السباحة في المستنقع الاسرائيلي المتطرف المعادي للسلام.