تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع فوز دونالد ترامب وكأنه انقلاب فعلي، فقد عنونت «معاريف» موضوعها عن الانتخابات بـ «عهد ترامب» و «الليلة التي قلبت كل شيء»، وركّزت على تصريح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن «هذه الإدارة لن تديننا إذا بنينا مستوطنات».
أما «هآرتس» فاختارت عنوانا «ذهول في أرجاء العالم: ترامب رئيساً» و «انتصار ترامب سحق الولايات المتحدة الليبرالية»، أمّا «إسرائيل اليوم» المقرّبة من نتنياهو، فعنونت بأن «ترامب دعا رئيس الوزراء إلى لقاء في البيت الأبيض» و «أغلبية جمهورية في مجلس النواب أيضاً».
وعدا عن الترحيب الذي رافق ابتهاج اليمين الإسرائيلي بفوز ترامب الذي تلخّص بإعلان نتنياهو أن «الرئيس المنتخب ترامب هو صديق حقيقي لدولة إسرائيل»، ظهرت مخاوف في أوساط المعلّقين الإسرائيليين. ورأت افتتاحية «هآرتس»، وهي الصحيفة الأشدّ ليبرالية في إسرائيل، أن فوز ترامب لن يسوّغ لليمين الإسرائيلي أفعاله. ورأت أن اليمين الإسرائيلي، «خصوصاً المتطرف الذي يشكل الحكومة يرى في نتائج الانتخابات تدخلاً سماوياً في صالح إسرائيل، وبأنه سيجمد دفعة واحدة فكرة الدولتين للشعبين، وسيزيد الضغط على إيران ويجعل من ترامب، ضمن أمور أخرى بفضل دعم شيلدون ادلسون، مندوب إسرائيل في البيت الأبيض». ولكنها لاحظت أنه «من السابق لأوانه الفرح أو الحزن. فعلى ترامب أيضا ينطبق القول الحكيم وبموجبه «ما يرى من هناك لا يرى من هنا». فالمصلحة الأميركية هي التي ستقف أمام ناظري الرئيس الجديد وهي لا تستند بالضرورة إلى احتياجات دولة إسرائيل».
وأشار كبير المعلقين في «يديعوت»، ناحوم برنياع إلى أن «ترامب شخص انتهازي تماما. وهو لا يجلب معه إلى المنصب فكراً مرتباً أو سجلا عاماً. ومثلما عدنا وسمعنا هنا في أثناء ليلة الانتخابات، فإنه الرئيس الأول الذي لم يخدم بلاده بأي شكل، لا في الجيش، لا في الإدارة العامة ولا في السياسة. الصفحة بيضاء. يمكن لهذا أن يكون خطيرا جدا، لأن الانتهازيين لا يعرفون حدودا. يمكن لهذا أن ينجح، لان الانتهازيين يتمتعون بمجال مناورة اكبر: فهم غير متوقعين. الانتهازيون هم أناس يفوزون في برامج الواقع التلفزيوني.
وتساءل بارنياع: هل تبدأ الولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 2017 ببناء سور على حدودها مع المكسيك؟ وهل في ذات اليوم سيطرد منها ملايين المهاجرين غير القانونيين؟ هل ستغلق بوابات أميركا في وجه القادمين من الدول الإسلامية؟ هل سترفع دعاوى قضائية ضد النساء اللواتي اشتكين من أن ترامب تحرش بهن جنسيا؟ هل هيلاري كلينتون ستعتقل وترسل إلى السجن؟ هل السفارة الأميركية ستنتقل من تل أبيب إلى القدس؟ هل الضرائب ستتقلص؟ هل التأمين الصحي سيلغى؟ هل ستلغى الاتفاقات التجارية بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم». وخلص إلى أن «تقديري هو أن كل التهديدات الانتخابية هذه، لن تتحقق».
أما المتخصصة بالشأن الفلسطيني في «هآرتس» عميرة هاس فرأت أن «الفلسطينيين بقوا أيتاماً» بفوز ترامب. وقالت إنه على الرغم من الافتراض أول المطاف، الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات وقوانين وليست دولة رجل واحد». وأوضحت أن إحدى السياسات الأميركية المتبعة هي صيانة الأمل بأن ترامب مع دخوله البيت الأبيض «لن يشذ كثيراً عن قوانين العمل والسياسة الخارجية التي تمتد لعشرات السنين».
وتساءلت «هل سيقرر ترامب والكونغرس تقليص المساعدات للسلطة أو وقفها؟ هل سيتعاطى ترامب، في ظلّ جهله مع القيادة الفلسطينية كمنظمة إرهابية معادية، أم أن هناك من سيقول له إن السلطة الفلسطينية تعمل في صالح إسرائيل وفي صالح سياسة حزبه؟ من جهة أخرى، كيف أن عدم الوضوح في سياسة ترامب الخارجية سيؤثر على الديبلوماسية الفلسطينية وعلى العلاقة داخل فتح؟ هل يمكن توقع تغيير ما طالما أن عباس يقف على رأس الهرم؟».
وأشارت إلى أن «انتصار ترامب، لاسيما على المدى القريب والمتوسط، يفسر على أنه تشجيع لسياسة إسرائيل في المناطق. فهو يزيد الشعور باليُتم الفلسطيني، لكن ليس بصورة دراماتيكية. إنه لن يغير ولن يوقف الاتجاهين المتعاكسين اللذين يميزان سلوك المجتمع الفلسطيني اليوم».
وذهب رئيس تحرير «هـآرتس»، ألوف بن إلى حد اعتبار أن ترامب مثل نتنياهو نجح في إثبات تواجده الإعلامي وأوصل رسالته. وفي نظره «السياسة باتت في الأطراف» حيث «لا يجب أن يفاجأ الإسرائيليون من النتيجة في أميركا: لقد مررنا في ذلك في السنة الماضية حيث كان اسحق هرتسوغ مرشحاً محافظا ومعتدلا، ولم يقل أي شيء، وخسر لصالح بنيامين نتنياهو الذي قام بنشر قصص الكارثة والمطاردة الإعلامية والعنصرية ضد المواطنين العرب. انجازات نتنياهو وترامب تؤكد أن السؤال في الحملة ليس الكذب أو عدمه، بل متى، وأن الاستطلاعات تجد صعوبة في تفسير تصويت المحيط الاجتماعي الذي يحسم الانتخابات وأن المرشح يجب أن يسيطر على البرنامج اليومي الإعلامي، حتى لو كان ما يقال عنه سلبيا».
أما المعلق الأمني في معاريف، يوسي ميلمان فكتب تحت عنوان «فرحة سابقة لأوانها» أن «بوسع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يربّت لنفسه على الكتف بفضل «أم كل الاختراعات». فقد بدأ هو ميل القرن الـ21 الذي يسيطر فيه زعماء منافقين على دولهم في انتخابات ديموقراطية حرة ويغيرون اتجاهها. في أعقاب نتنياهو، يسير رئيس تركيا رجب طيب اردوغان، في عملية خروج بريطانيا من الاتحاد، والآن دونالد ترامب في الولايات المتحدة. من التالي في الدور؟ مارين لوبن إذا انتخبت رئيسة لفرنسا في السنة القادمة؟ ايطاليا؟ هولندا؟».
وأشار ميلمان إلى أنه «مع كل الفروق بين الزعماء والسياقات في البلدان المختلفة، فإن القاسم المشترك بينها هو خطاب الحماس، القومي المتطرف، والذي يختلط بحقن دينية. الاحتقار للسلام، كراهية الآخر، التحريض ضد الأجانب، سياسة الشرخ والفصل و«خلق» دائم لأعداء حقيقيين أو وهميين من الداخل ومن الخارج. من هذه الناحية نتنياهو هو فنان. فقد كان الزعيم الأول، منذ انتخابه في 1996، الذي لاحظ كراهية الكثيرين في المجتمع تجاه النخب ووسائل الإعلام التقليدية، استخدمها كأداة سياسية واستغل مخاوف الضعفاء والفقراء في بلدات المحيط. ليس مهما على الإطلاق أن نتنياهو، مثل ترامب، هما نتاج لتلك النخب وترعرعوا في بيت عائلات ذات ثراء وامتيازات».
وعلى أي حال، لخّص مستشار نتنياهو السابق، زلمان شوفال في «إسرائيل اليوم» الانتخابات الأميركية بأنها في صالح إسرائيل. فقد قال بشأنها «أمور تروق لآذاننا، بما في ذلك الوعد المعروف بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس. والمستقبل سيظهر إذا ما كان سيتم تنفيذ هذا الوعد أم لا. وفي الموضوع الفلسطيني سمعنا في السابق تصريحات متناقضة، ومن الواضح أنه توجد هنا مهمة كبيرة للديبلوماسية الإسرائيلية من اجل الحفاظ على مصالحنا أمام الولايات المتحدة. الاختبار الهام الأول بالنسبة لترامب هو هل سيحترم التفاهم بين الرئيس جورج بوش وبين ارييل شارون حول الكتل الاستيطانية الكبيرة، هذا التفاهم الذي تجاهله أوباما. حدث مفصلي آخر في هذه الانتخابات هو أنه خلاف لجميع التوقعات، حافظ الجمهوريون على أغلبية في مجلسي الكونغرس، وهذا مهم بخصوص تعاطي الإدارة مع إسرائيل».