أدّعي هنا بأن نجاح السيد دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية؛ هو ليس فقط انعكاسا لإرادة الشعب الأميركي وأنظمته والقوانين المختلفة التي يخضع لها، وإنما إنعكاس شبه كلي لواقعية العالم الراهنة التي أصبحت بحاجة الى شخص بشخصية ترامب. لهذا أختلف كثيراً مع العديد من المقالات التي قرأتها قبل وبعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية الواصفة بأن مرحلة ضياع أمريكا قد بدأت بعد إنتخاب ترامب، لأسباب بسيطة أهمها: بأن تلك المرحلة قد بدأت منذ عقدين على الأقل وهناك معطيات مختلفة على ذلك، وأيضاً أميركا لا يحكمها فقط شخص كما هو في الأنظمة العربية مثلاً، وإنما هناك مؤسسات فاعلة ترسم الحدود العامة لمساحة الرئيس في مختلف المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
البعض يعتقد أن ترامب مهوس، أو إنه في مرحلة عدم إتزان عقلي دائمة!! هناك من تخيله بأنه قد يستهدف موسكو وبكين في صواريخ نووية، أو سيقوم بطرد كل من هو ليس أميركيا ! بإعتقادي كل من يؤمن بذلك هو الذي عليه مراجعة أقرب مصح عقلي، على الرغم من قناعتي الشخصية بأن هناك العديد من الأحداث الظريفة تنتظرنا مع ترامب.
من المهم معرفة شخصية ترامب، لأنه شخصية مركبة بعدد من المفاصل التي جعلت منه من هو ذاته، ليس فقط كونه ملياردير، وإنما مفاصل أخرى قد يجدها البعض بالأمور الساذجة مثل: المصارعة، التمثيل، الموسيقى، الغولف، حتى عشقه لملكات الجمال، وأهم مرحلة يجب علينا دراستها هو كيف نهض ترامب في المشاكل المالية فترة (1989_1997) وأيضاً عام 2008.
الدرس الأول الي تعلمته في مرحلة دراستي للماجستير في مادة كيفية صناعة القرار هو أن شخصيات صانعي القرار وخلفياتهم هي من تؤثر على أفعالهم وكلماتهم، فمن غير المتوقع أن عالج كل من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمبركية على سبيل المثال كل من رونالد ريغان وجيمي كارتر ودوايت أيزنهاور وبوش الإبن أزمة ما بالطريقة الشخصية ذاتها، أو أن يتناولها من الزاوية ذاتها، لهذا خصائصهم الشخصية المختلفة ودوافعهم وتصوراتهم من شأنها أن تقودهم الى إتخاذ قرارات متغايرة تختلف إختلاف كلي.
المتتبع لوسائل الإعلام المجتمعية يجد بكل وضوح كيف تم تعامل العالم مع ترامب بسياق القطرية، فتم اسقاط قضايا كل بلد على تصرفات ترامب، فوجدنا المنشورات المصرية كيف تعاملت والأردنية واللبنانية والعراقية كل يغني على ليلاه، لكنهم جمعياً استخدموا ترامب كأداة. وهذا ما حدث هنا في فلسطين بالقضايا السياسية المختلفة. وعلى صعيد قضيتنا الفلسطينية، الملفت للنظر هو أن الشارع الفلسطيني لم يتفاعل بهذه الانتخابات كما تفاعل مع الرئيس السابق أوباما في فترته الأولى وإنه هو من سيحقق لنا الحرية، بل على العكس تماماً تعامل الشارع بفكاهة وسخرية كمؤشر لفقدانهم الأمل من هذا الرجل.
لو كنت صانع قرار، سأشكل وفدا رفيع المستوى _ليس حزبيا_ يضمن الطيف الفلسطيني بكل شرائحه للقاء ترامب والحديث معه بكل وضوح، ثم عقد سلسلة لقاءات مع الإدارة الجديدة بكافة مؤسساتهم. ترامب رجل يحب الربح والكاميرا، لماذا لا نبدأ بتغيير أدواتنا المهترئة_رغم ضعفنا_ حتى نحقق ذات الهدف الذي لم نحققه حتى الآن مع أي رئيس أمريكي؟! حتى ولو كان ترامب!