إنتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في الثامن من نوفمبر فاجأ الكثيرين من قادة العالم والرأي العام العالمي بما في ذلك داخل أميركا وخاصة أنصار الحزب الديمراطي، الذين إعتقدوا حتى لحظة إعلان النتائج، بأن مرشحتهم هيلاري كلينتون، هي الصاعدة لكرسي الرئاسة. لإن إستطلاعات الرأي جعلتهم ومرشحتهم ينامون على وسائد البيت الأبيض في حلم يقظة لم يدم كثيرا. لكن الوقائع الصاعقة للإنتخابات أيقظتهم على كابوس الفاجعة، مع سماعهم نبأ فوز المرشح الجمهوري.
الرئيس ال45 للولايات المتحدة، رجل إشكالي من طراز رفيع. غريب الأطوار، عدواني وعنصري ومتهور بردود أفعاله، لإنه سريع الغضب، وغير دبلوماسي في تعامله مع الاشخاص والجماعات والدول. فأثناء حملته الانتخابية أطلق العنان لتصريحاته الخالية من اللياقة والكياسة الدبلوماسية تجاه دول الخليج العربي وإيران والمكسيك وغيرها من الدول، مما ورطه في علاقات ملتبسة، لابل متناقضة مع الدول المذكورة، وبالتالي أدخل نفسه وقبل دخولة عتبة البيت الأبيض في تناقضات مع تلك الدول وغيرها بما في ذلك أوروبا، التي سجلت عدم إرتياحها لفوزه، حتى ان مسؤولين أوروبيين دعوا إلى بناء قوة أمنية مشتركة، وعدم الرهان والاعتماد على الولايات المتحدة، وإعادة النظر في العلاقات الامنية والعسكرية مع أميركا، التي شكلت مظلة الحماية للدول الاوروبية منذ الحرب العالمية الثانية 1945. وإن حصل ذلك، سيكون له إرتدادات قوية على مكانة أميركا العالمية أكثر مما هي عليه الآن. وكان توعد دول الخليج بتدفيعها فاتورة الديون الاميركية، قائلا "لولا الولايات المتحدة لما كانت هذه الدول، وعليها ان تساهم في تسديد الديون، التي تبلغ 19 ترليون دولار (حسب بعض المصادر تصل المديونية الخارجية والداخلية الأميركية إلى 22 ترليون دولار)، وهي الدولة ألأكثر مديونية في العالم. وكأنها (دول الخليج)هي المسؤولة عن تلك الديون، او كأن أميركا كانت تدفع لهم وليس العكس. وتجاهل كليا عن قصد او غير قصد، عن هيمنة بلاده على تلك الدول، وإخضاعها لتابعيتها السياسية وألأمنية والإقتصادية، فضلا عن ان عائداتها المالية مودع جلها في المصارف الأميركية. وبالتالي فإن قيمة فاتورة حماية وبقاء تلك الدول وأنظمتها السياسية دفعتها مضاعفة ومكعبة سلفا لإميركا. أضف إلى ان فوزه شكل صدمة قوية للبورصات العالمية، التي غطى اللون الأحمر شاشاتها بشكل ملفت، مما أدى لإنخفاض حاد في قيمة العديد من العملات الاجنبية. الأمر الذي أثار ويثير فوضى حقيقية في المشهد الاقتصادي العالمي.
وعلى الصعيد الداخلي تعالت الاحتجاجات في العديد من الولايات الاميركية مثل: نيويورك، أوكلاند، لوس أنجلوس، شيكاغو، كاليفورنيا وغيرها على إنتخاب المليادير ترامب. حتى وصف المراقبون المظاهرات وحرق العلم الأميركي، وهي من المرات النادرة في أميركا، وإشعال الحرائق بالربيع الأميركي. وتكررت الدعوات لإجراء إستفتاءات في بعض الولايات ككاليفورنيا للانفصال عن الادارة الفيدرالية.
كما ان إنتخابه عكس عمق النزعة العنصرية في الداخل الأميركي. وهو ما سيسهم في صعود موجات الكراهية ضد السود والملونين عموما من عرب وصينيين وهنود ومكسيكيين وأميركيين لاتينيين. كما انه سيعيد طرح المسألة العنصرية بشكل حاد داخل الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي. مع ما لذلك من إنعكاس على تدهور إضافي على علاقات الولايات المتحدة الداخلية والخارجية.
الأزمة الاقتصادية الكارثية العامة، التي تعيشها بلاد العم سام منذ ايلول 2008 لم تنته حتى الآن. لا بل أنها مستمرة وإن بوتائر أقل نسبيا. وانتخاب ترامب إنعكاس لها ولإفلاس القيم والمكانة الأميركية العالمية، حيث أخذت في التراجع عن دورها الإمبراطوري، وكقائدة وحيدة للعالم. وبات لها منافسون وليس منافسا واحداً. وعلى اهمية الاسلحة النووية ومرادفاتها من الاسلحة التدميرية،التي تمتلكها وتشكل لها العصا الغليظة لفرض مكانتها الدولية، إلآ ان تلك الاسلحة ومواصلة تطويرها شكل عبئا عليها. رغم ان كارتلات السلاح إنتعشت مؤخرا بسبب الحروب، التي اشعلتها في العديد من دول العالم، إلآ ان هذا مؤقت في حال تمكنت الاقطاب الدولية الأخرى من ضبط إيقاع الجنون الاميركي، خاصة وان إدارة اوباما الحالية نأت بنفسها إلى حد بعيد عن التدخل المباشر في الحروب.كما حصل في افغانستان والعراق مطلع القرن الجديد، لإن تلك الحروب كبدتها خسائر فادحة، ووجدت إنعكاسها المباشر في الازمة الاقتصادية الكارثية، التي لم يشهد لها العالم مثيلا من ثلاثينيات القرن العشرين. والمستقبل المنظور ينبىء بما لا تحمد عقباه بشأن مصير الرئيس دونالد ترامب. وأي كانت النتائج، فإن الرئيس الجديد عنوان أزمة عميقة، وسيفجر أزمات عديدة أن تبوأ موقعه. وقادم الايام يحمل الجواب.