أما وقد أصبح انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح أمراً واقعاً وأصبحنا على بعد عشرة أيام من موعد انعقاده في 29 من الشهر الحالي، فإنه أصبح ممكناً التعاطي معه وإبداء بعض الآراء.
هناك اهتمام استثنائي بالمؤتمر من الناس بشكل واسع جداً يمتد في كل أطيافها وتشكيلاتها وتعبيراتها ومن كل التنظيمات السياسية وقوى وتشكيلات المجتمع المدني ويصل الاهتمام بالمؤتمر في استثنائيته لدرجة يبدو معها وكأنه مؤتمر للشعب الفلسطيني وليس لحركة فتح وحدها. لقاءات ومقابلات وتصريحات قادة وكوادر ومناضلين من حركة فتح وأصدقاء لها، ومديح الظل العالي الذي دبجوه بالحركة والتذكير بأمجادها، كما هو متوقع، لم يلعب دوراً ذا أهمية في بناء هذا الاهتمام الشعبي. الاهتمام الشعبي الاستثنائي جاء من مصادر أساسية ثلاثة:
الأول: هو مخزون الحضور الذي ما زالت حركة فتح تمتلكه في وجدان الناس وضمائرها، والرصيد الذي مازال لها في وعيهم وفي آمالهم الوطنية، وهو ما زال كبيرا كما يبدو. المخزون والرصيد هما «تخميرة» سنين طويلة من النضال والدور الوطني الريادي القيادي والجامع، ومن القادة النوعيين الذين سقطوا شهداء على مذبح الثورة.
والثاني: وعي الناس وإدراكهم ( الواعي والفطري) لصعوبة وتعقيد، وأيضا خطورة، الوضع الراهن للنظام الفلسطيني العام وخطورة استمراره على القضية الوطنية ومستقبلها ورهانهم على فتح لتلعب الدور المبادر والأساسي في الخروج منه والنجاة من مخاطره. خصوصا وهي تدرك محدودية قدرات وطاقات تنظيمات منظمة التحرير الأخرى في تحقيق هذا الخروج، مع التأكيد على شوقها وإخلاصها لتحقيقه وجاهزيته للمبادرة والاستجابة لكل مسعى في سبيل ذلك.
اما المصدر الثالث وهو اقل أهمية بالمقارنة مع المصدرين السابقين فهو الخوف على حركة فتح ووحدتها ودورها. وذلك تأثرا بالأحاديث والتصريحات الكثيرة والكتابات المستفيضة حول هذا الأمر، وان كانت في معظمها بدون أساس متين ومبالغ فيها وتحمّل بأكثر من حقيقتها ومن قدرتها.
فليس جديدا على حركة فتح حصول تجنحات في صفوفها وصلت الى انشقاقات في بعض الحالات، لكن ايا منها لم يعمر ولم يستمر وعاد أصحابها في أغلبيتهم الى صفوف الحركة او انتهى وجودهم. فالدعم الخارجي يمكن ان يشجع على بداية التجنح او الانشقاق ويوفر مستلزمات البداية، ولكنه لا يمكن ان يؤمن مقومات وضرورات الاستمرار، فهذا لا يمكن ان تؤمنه الا عوامل ومقومات وضرورات داخلية، ثم حضور وقبول جماهيريين.
استثنائية الاهتمام تلقي على المؤتمر والمؤتمرين أحمالا وآمالا وتوقعات ومطالب، واستثنائية ايضا، قد تكون اكبر من طاقتهم وقدرتهم وأوسع من مجريات المؤتمر ومن نتائجه المباشرة. خصوصاً وأن متغيرات جدية حصلت في الوضع الداخلي الفلسطيني بالذات لجهة علو درجة التنافسية وربما اقترابها من الندية مع متغيرات هامة في الحاضنة العربية. ولكن استثنائية تضعهم بالتأكيد، أمام مسؤولية استثنائية، وتأمل فيهم ان يكونوا على قدرها وبمستواها.
الناس بالطبع لا تتوقع ان ينجز المؤتمر حلولا لقضايا وإشكالات وقصورات النظام السياسي العام والمشاكل الوطنية المعقدة. لكنها تطلب ان تخرج عن المؤتمر نتائج برنامجية وسياسية وقيادية وقرارات تمكن حركة فتح من القيام بمسؤولياتها تجاه تلك الأمور بشكل اسرع مبادرة وفاعلية وأعلى مسؤولية وأوسع افقا واكثر جرأة.
مع «أن أهل مكة أدرى بشعابها» فلا ضرر من ذكر بعض التفاصيل المطلوبة من المؤتمر، وذلك من باب التمني على المؤتمرين ومن موقع المونة، وليس اكثر.
- برنامج جريء لا يكتفي بتأكيد الثوابت الوطنية على أهمية ذلك وضرورته وفي القلب منها ثوابت، تحرير الوطن ووحدته بكافة أجزائه، ووحدة كيانه وتمثيله السياسي وأدواته النضالية. بل يتعاطى- إضافة الى ذلك- مع المستجدات التي حصلت في السنوات الأخيرة في الوضع الفلسطيني الداخلي بافق غير نمطي وتقليدي بل اكثر انفتاحا ومسؤولية ومبادرة، ويمكن إضافة اكثر جرأة أيضا. ويتعامل مع المستجدات والمتغيرات في الوطن العربي والعمل العربي المشترك ورصد تأثيراتها على القضية الوطنية الفلسطينية بنفس الأفق، وتحديد منهج التعامل معها.
- بدون تطفل ومع استحضار «أهل مكة أدرى بشعابها» بكامل معانيها، يمكن الإشارة بشكل عام الى ضرورة إيلاء الحياة التنظيمية الداخلية للحركة درجة عالية من الاهتمام واتخاذ ما يراه المؤتمرون ضروريا لصالح حيوية وفاعلية الحياة الداخلية ولصالح الانحياز الى وتعزيز القواعد الذهبية: الجماعية- الديموقراطية- المشاركة- التجديد- الانضباط واحترام التراتبية التنظيمية.
- اتخاذ القرارات والتوجيهات اللازمة لتطوير العلاقة مع التنظيمات الفلسطينية الأُخرى باتجاه تأكيد دورها وموقعها كشريك حقيقي ومسؤول في صنع الموقف واتخاذ القرار الوطني وفي تحمل مسؤوليتها.
- قرارات محددة وواضحة تماما تجاه ضرورة الإسراع والجدية في إحياء او تطوير مؤسسات وأجهزة ودوائر النظام السياسي العام بدءا بمنظمة التحرير، وإحياء او تطوير روافد هذا النظام من الاتحادات الشعبية والنقابية وكافة تشكيلات المجتمع المدني الفلسطيني على قواعد وحدوية وديمقراطية أساسها الانتخابات العامة.
- وفي نفس السياق، الالتفات باهتمام كبير للمبادرات الخلاقة التي تخرج من الناس ( المجتمع المدني) والشباب منهم بالذات للتعامل مع قضايا مجتمعية مختلفة داخلية، او للتواصل والتعامل مع المجتمع الدولي وهيئاته الشعبية والهيئات الدولية ذات الاختصاص لخدمة قضايا النضال الوطني الفلسطيني بأبعاده وأشكاله المختلفة. مثل هذه المبادرات تحتاج التشجيع والدعم وإطلاق حرية العمل مع ضرورة حماية والحفاظ على طابعها الشعبي واستقلالها.
لا يمكن أن يقابل المؤتمرون الاهتمام الاستثنائي من جموع الناس بالمؤتمر والآمال التي يعلقونها عليه الا بأعلى درجات الجدية والمسؤولية، وبأعلى درجات النجاح وأفضل النتائج.