لا تزال عملية رسم الخرائط تجري بخطى حثيثة من شمال العراق الى شمال سوريا. والاطراف جميعاً يتطلّعون الى ما ستكون عليه الجغرافيا السياسية بعد "داعش" .
فتركيا تحاول نيل حصتها بما يتلاءم مع الحدود "العاطفية" للرئيس رجب طيب اردوغان التي تمتد من الموصل الى القوقاز وحلب. والولايات المتحدة تحاول أيضاً اثبات وجودها وحفظ دورها عبر "قوات سوريا الديموقراطية"
التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، على رغم الحساسية التي يثيرها دور "الوحدات" لأنقرة.
موسكو وطهران ودمشق، ثبتت دورها العسكري بمحاصرة حلب الشرقية وبدفع هجمات المعارضة على حلب الغربية، والانطلاق الى العملية الجوية الروسية الواسعة في ادلب وحمص، من غير ان تتخلى عن دور محتمل في الرقة، وإن تكن تركيا تدفع فصائل المعارضة السورية الموالية في اطار عملية "درع الفرات" كي تقتحم مدينة الباب الاستراتيجية لقطع الطريق على أي دور سوري - روسي نحو الرقة.
أما بغداد الطرف الرابع غير المعلن في التحالف الروسي - السوري - الايراني، فإنها تدفع بالحشد الشعبي الى تلعفر كي تقطع الطريق على أي تقدم تركي محتمل نحو المدينة العراقية التي تمسك بالحدود مع سوريا، وتالياً تحرم تركيا والولايات المتحدة احتمال دفع "داعش" العراق الى سوريا بعد الانتهاء من تحرير الموصل، وما سيشكله ذلك من عامل ضغط على محور دمشق - موسكو - طهران.
وبمجرد سيطرة الحشد الشعبي على عقدة التواصل بين العراق وسوريا، يكون الميدان قد رسا على معادلة يصير معها من الصعب على تركيا أو الولايات المتحدة الدفع نحو تغيير الوقائع على الارض.
ومن الاهمية بمكان ان موسكو اطلقت عمليتها الجوية في ادلب وحمص في المرحلة الانتقالية للادارة الأميركية ومن دون انتظار تسلم دونالد ترامب مهماته رسمياً. وتسعى روسيا ميدانياً الى فرض وقائع جديدة تحصن موقعها السياسي في حال العودة الى طاولة المفاوضات. ولا يسقط الكرملين من حساباته أيضاً ان تركيا في لحظة ما قد تقدم على مغامرة أوسع في سوريا بغطاء من الغرب. لذلك كان الحشد البحري الروسي الاوسع في المتوسط منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وهذا الحشد يتجاوز في دلالاته الوضع السوري الى ما هو أوسع في المواجهة المتواصلة نحو استعادة روسيا مكانتها الدولية.
ان حربي سوريا والعراق لا تعيدان رسم حدود البلدين فحسب، بل كذلك حدود الاقليم وربما ما هو أبعد من ذلك.
عن النهار اللبنانية