ظاهرة علاء وجمال مبارك

thumbgen (29)
حجم الخط
 

بصراحة هى ظاهرة، يجب التوقف أمامها، تلك المتعلقة بالاحتفاء الغريب والمثير بكل من علاء وجمال مبارك، نجلى الرئيس حسنى مبارك، بمجرد ظهورهما فى أى مكان عام، أفراح، عزاءات، كافيهات، مولات، شوارع، ما إن تطأ أقدامهما أى مكان إلا ويتحول إلى ساحة احتفاء شعبية وإعلامية، ومن كل الأعمار، ليتحول حديث الفرح إلى كلام فى السياسة، وحديث العزاء إلى كلام فى الماضى، وحديث الكافيه إلى تصاوير سيلفى، والمول إلى أحضان بارتى، والشوارع إلى قبلات، وفى كل الأحوال ثناء لا يتوقف، ودعاء لا ينقطع، بطول العمر للسيد الوالد، والترحم على ما فات، وسمعنا كثيراً: ياريت اللى راح يرجع تانى.

أرى أن هذه الظاهرة يجب دراستها من كل الوجوه للإجابة عن عدة أسئلة، السؤال الأول: أليست هذه الجماهير هى التى كانت تردد قبل ستة أعوام: ارحل، أم أن الذين رددوا ذلك كانوا آخرين من الذين اكتظ بهم ميدان التحرير تحديداً، الذى أكدت كل المثلثات والحسابات أنه لا يمكن أن يستوعب بكل حاراته وأزقته أكثر من ٣٣٠ ألف شخص، بما يؤكد أن إطلاق تعبير المليونية كان مَجازاً طوال الوقت؟، السؤال الثانى: أليس هؤلاء هم الذين نزلوا الميادين مرة ثانية، وتحديداً أيضاً ميدان التحرير، احتفاءً بفوز الرئيس محمد مرسى، مهللين مكبرين، من كل الاتجاهات السياسية، ومن كل الأعمار أيضاً؟، السؤال الثالث: أليس هؤلاء هم الذين نزلوا الشوارع مرة ثالثة احتفاءً بالمشير عبدالفتاح السيسى وتفويضه؟!.

أيضاً فى ضوء دراسة الظاهرة، إذا كانت الجماهير قد تم توجيهها حينئذ لأى سبب، أو كانت قد استجابت للعقل الجمعى حينما قالت ارحل، كيف يمكن تفسير المراحل اللاحقة، هل طالت الغيبوبة، أم أن الغُمة قد انقشعت الآن، هل للأزمات الاجتماعية الحالية دور فى ذلك الذى يجرى من غلاء أسعار، واختفاء سلع غذائية، وأخرى دوائية، وتدهور الاقتصاد، وانهيار العملة، إلى غير ذلك من مآسٍ عديدة، أم أن الأمر يتعلق بتلك المقارنات الحاصلة الآن بين المسؤولين فيما قبل ٢٥ يناير، والمسؤولين حالياً، بل فى كل مراحل ما بعد ذلك التاريخ على امتداد ست سنوات، وهى المقارنات التى تأتى بنتائج فورية لصالح ما قبل ٢٥ يناير، بدليل تلك الحفاوة التى يشهدها رئيس الوزراء أحمد نظيف، أو رئيس البرلمان الدكتور أحمد فتحى سرور وغيرهما، كلما ظهر أحدهم فى مكان ما؟.

بالتأكيد نحن أمام ظاهرة تتمثل فى الحفاوة بكل مسؤولى ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أن ذروة الظاهرة تتجلى فى نجلى رئيس الجمهورية آنذاك، علاء وجمال مبارك، على الرغم من أن أحدهما كان بعيدا عن الساحة السياسية، بينما كان الآخر منغمساً فيها، إلا أن شهادة الرأى العام جمعت بينهما، بحسن الخلق، والوطنية، وبر الوالدين، إلى غير ذلك من صفاتٍ لها ما لها من الأثر فى مجتمعنا، وهو الأمر الذى مازال يلقى بظلاله حتى الآن على نظرة المجتمع للأسرة ككل.

أخشى ما أخشاه أن يعبث خُبثاء كل العصور، فى أُذُن أو دماغ أى مسئؤول من أى نوع، محذراً من هذا الظهور أو ذاك، فنحن هنا لا نتحدث عن الملك فاروق، أو الملك فؤاد، فرق كبير بين الحكم الملكى الذى من حق أصحابه المطالبة طوال الوقت باستعادته، والحكم الجمهورى الذى يُتداول بين أفراد الشعب، أى ليس حكراً على أحد، كما ليس ميراثاً، مع الأخذ فى الاعتبار أننا نتحدث عن شخصين، هما قبل كل شىء مواطنان كغيرهما من أبناء الشعب، أى أن من حقهما ممارسة حياتهما العامة بحُرية ودون تدخل من أحد، كما من حقهما أيضاً ممارسة الحياة السياسية، إذا أرادا ذلك، وهو ما أشك فيه.

الغريب أيضاً هو أن تلك المشاركة فى المناسبات هنا وهناك أوضحت أمراً على قدر كبير من الأهمية، وهو أنهما كانت تربطهما علاقات صداقة، شخصية وثنائية، مع كثيرين من أفراد الشعب، ومن الطوائف المختلفة، لذا فهما يحرصان على المجاملات، على الرغم من المحاذير الكثيرة التى تفرض نفسها بالتأكيد، وعلى الرغم من أنهما كانا يمكن أن ينأيا بنفسيهما عن كل ذلك، فإن هذا الإصرار على التواصل مع المجتمع يؤكد أنهما شخصيات اجتماعية بطبعها، وهو ما يجب أن يستوعبه البعض، ممن يبحثون عن تفسيرات بعيدة عن الواقع.

على أى حال، أرى أن هذه الظاهرة سوف تحصل على حقها من النقاش والبحث بمرور الوقت، شئنا أم أبينا، وذلك بعد أن أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعى، وقد سبقت فى ذلك وسائل الإعلام الرسمية، التى اعتادت عدم طرح القضايا الجماهيرية إلا بعد استهلاكها شعبياً، ربما للمحاذير العديدة بشأنها، أو لأن نتيجة البحث فى هذه القضية التى نحن بصددها يمكن أن تشكل إحراجاً للبعض ممن هم تحت الأضواء، أو فى سدة المسؤولية.

إلا أن السؤال الذى جال بخاطرى مع كتابة المقال كان أكثر حساسية وإثارة، وسوف أترك للقارئ الإجابة عنه أو التفكير فيه، وهو: إذا كان هذا هو الحال بظهور نجلى الرئيس، فكيف يمكن أن يكون الوضع فى حالة ظهور الرئيس شخصياً؟، ربما يجيب عن السؤال استمرار الرجل بين أربعة جدران حتى الآن، بسبب عرقلة إنهاء محاكمته، إلا أن ما يغيب عن قصار النظر أنه على مشارف التسعين عاماً، ناهيك عن وضعه الصحى المتردى.. لكن تظل الظاهرة مثيرة للاهتمام.