احتفلت الأمم المتحدة قبل يومين بيوم الطفل العالمي 20/11/2016، في الوقت الذي تُنتهك فيه الطفولة في معظم مناطق العالم، وحيث ما زال الأطفال يعانون من أشكال عديدة من القهر والحرمان والاستغلال والجوع والخوف، وحيث يموت كل دقيقة 11 طفلا، وفي كل ساعة يفقد 33 طفلا أمهاتهم، فضلا عن 60 مليون طفل يعانون سوء التغذية بشكل خطير.
لنبدأ من فلسطين؛ ووفقا لبيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن نصف السكان من الأطفال (أقل من 18 سنة)، وهم بحدود 2.2 مليون طفل، ما نسبته حوالى 45% من السكان، ورغم أهمية هذه النسبة إلا أن المعطيات الأخطر هي ما يتعلق بأحوالهم: 400 طفل لا يزالون في سجون الاحتلال، وقد تم اعتقال 2,634 طفلاً خلال العام 2015، مقابل 1,260 طفلاً تم اعتقالهم خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، غير أولئك الذين دخلوا فئة الشباب أثناء وجودهم بالاعتقال.
في العام الماضي 2015 قتلت قوات الاحتلال 31 طفلا، مقابل 32 طفلا قُتلوا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي 2016.
هذا طبعا عدا الأطفال الشهداء، والجرحى والذين تعرضوا لإعاقات دائمة نتيجة لثلاث حروب شهدها قطاع غزة خلال السنوات الست السابقة، والآلاف الذين فقدوا بيوتهم بسبب القصف.
وفي دراسة صادرة عن "جمعية أرض الإنسان"، ومقرها غزة، تبين أن 73% من أطفال غزة يعانون اضطرابات سلوكية ونفسية من جراء الحروب الإسرائيلية وأصوات المدافع ومناظر الدماء والدمار.. وأغلب هؤلاء الأطفال يعانون من أشكال متعددة من الآلام النفسية والعضوية، منها الصدمة النفسية والكوابيس الليلية والتبول اللاإرادي.
وليس الاعتقال والقتل ما يواجهه أطفال فلسطين وحسب؛ هنالك أيضا التهجير القسري لعوائلهم؛ حيث فقدَ حوالى 2,500 مواطن مساكنهم نتيجة هدم الاحتلال لها، من بينهم أطفال (فقط في الضفة الغربية).
أما عن معاناتهم المجتمعية، فهنالك حوالى أربعة آلاف طفل يتيم في الضفة الغربية (مشمولين في الكفالة الاجتماعية)، في حين أُدخل في العام 2015، (160) طفلا إلى "دار الأمل للملاحظة والرعاية الاجتماعية"، أي ما يُعرف بالإصلاحية.
ومن بين 1.1 مليون طالب وطالبة، بلغت نسبة التسرب من المدارس حوالى 1.5%.
وهنالك 4.5% من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية 10-17 سنة هم أطفال عاملون، سواء بأجر أو دون أجر.
وبسبب الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات، بات نصف السكان تحت خط الفقر، ومع نسبة بطالة تصل إلى 45%، أصبحت ظاهرة عمالة الأطفال مؤشرا خطيرا؛ لاسيما وأنهم يقومون بأعمال صعبة، ولا تتناسب مع أعمارهم وأجسادهم، وضمن شروط مجحفة يفرضها أصحاب العمل، إذ يصل راتب الطفل مقابل عمل 12 ساعة إلى 20 شيكلا يوميا (حوالى 5$).
على الصعيد العربي، وحسب تقارير للأمم المتحدة، هنالك 21 مليون طفل عربي يتسربون من المدارس (شبه أميين)، ومع تفاقم الصراعات الأهلية في أربعة بلدان عربية (العراق، سورية، اليمن، ليبيا) حُـرِم حوالى سبعة ملايين طفل من التعليم، بسبب تدمير مدارسهم.
في اليمن، يموت أو يُجرح 13 طفلا كل يوم، هنالك نحو 380 ألف طفل دون مدارس.
في سورية، وحسب تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية غير الحكومية، هنالك ربع مليون طفل على الأقل يعيشون تحت وطأة الحصار بمناطق سورية عدة، ويضطر كثيرون منهم إلى أكل علف الحيوانات وأوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة.
وجاء في التقرير استنادا إلى شهود عيان، يموت الأطفال المرضى بينما يكون الدواء الذي يحتاجون إليه في الجهة المقابلة من الحاجز.
في العراق، وحسب معلومات موثّقة نشرتها دورية "سيرجري"، فإن واحداً من كل 6 أطفال، أصيبوا بجراح بسبب الحرب، ما يعني أن سُدس أطفال العراق مصابون، ومعوّقون، ومرضى معلولون جسدياً ومعطوبون نفسياً.
وعلى صعيد آخر، تقدر "اليونيسيف" عدد الأطفال المجندين الذين يشاركون في القتال حول العالم بحوالى 300 ألف طفل.
وتضم أفريقيا أكبر عدد منهم، وفي مناطق الصراع، تستغل منظمات متطرفة مثل "الطالبان" و"داعش" فقر الأهالي وخوفهم من معارضتهم لهم؛ فيقومون بخطف الأطفال من أُسَرهم، وتدريبهم في معسكرات خاصة ثم زجهم في أتون المعارك، مقابل إطعامهم هُم وأسرهم.
وإلى جانب الأطفال المجندين، هنالك الأطفال الذين يتم اختطافهم ضمن صفقات الاتجار بالبشر، لاستغلالهم جنسيا، أو للاتجار بأعضائهم، أو لاستغلالهم في أعمال شاقة، والأطفال الذين فقدوا أهاليهم بالحروب، وأولاد الشوارع.
وهناك أيضاً مشكلة إدمان الأطفال على المخدرات، وخاصة الأطفال العاملين في مهن مختلفة بحكم ظروفهم القاسية.
وتقدر دراسات متخصصة عدد الأطفال الذين يتعاطون المخدرات بأنواعها في العالم العربي ما بين 7 - 10 ملايين طفل.
ويزيد هذا الرقم عشرة أضعاف ما يظنه الأهالي في تقديراتهم عن أبنائهم، فضلا عن الأطفال الذين تستعملهم عصابات المخدرات في الترويج لبضاعتهم.. وتتركز هذه الظاهرة الخطيرة في العراق أكثر من غيرها، بينما في مصر مثلا، وحسب المجلس القومى لمكافحة الإدمان وعلاجه فإن ما يقرب 2% من الأطفال ما بين 12 إلى 19 عاما تعاطوا المخدرات، ولو مرة واحدة في حياتهم.
وفي الأردن، كشف مكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات عن نمو عدد الطلاب، من الجنسين، الذين يتعاطون الكحول والمخدرات، رغم أن النسب ما زالت متدنية. وجاء تعاطي الحبوب المهدئة في المرتبة الأولى بين طلاب المدارس بنسبة بلغت 4.2% من هؤلاء الأطفال، واحتل تناول الكحول المرتبة الثانية بنسبة 2.3%، ثم استنشاق المواد المخدرة والطيارة بنسبة 2.2%.
ولا تنحصر معاناة الأطفال في مناطق الصراع؛ ففي معظم بلدان العالم، يتعرض الأطفال للضرب والحرمان والإهانة وسوء المعاملة من قبل ذويهم (بحجة التربية)، أو في ظل مشاكل عائلية، أو بسبب الفقر والجهل.. ولا توجد في معظم تلك البلدان قوانين خاصة تجرّم ضرب الأطفال، أو إساءة معاملتهم، أو تضمن لهم حصولهم على حقوقهم الطبيعية كأطفال..
هذا غيض من فيض، والأرقام والإحصاءات على كافة الصعد في كل ما يتعلق بالطفولة صادمة ومفجعة ومخيفة.. وإذا لم نتنبه لها.. سندفع الثمن غالياً.