مؤتمر "فتح" في زمن مختلف

طلال عوكل
حجم الخط

في مرحلة الزمن الجميل، زمن الثورة المسلحة التي أعادت للفلسطيني كرامته وصاغت هويته الوطنية، كانت المؤتمرات الوطنية التي تعقدها فصائل منظمة التحرير أعراساً وطنية عن حق، ومحطات مهمة في سياقات العمل من أجل التطوير والتحسين.

اختلف الزمان، ومعه اختلفت معايير وطقوس الأعراس، وأصبحت المؤتمرات الوطنية أقرب أن تكون إلى أعباء على القيادات والكوادر، لأن مخرجاتها لا تلبي الحاجة الماسة للتطوير والتغيير، في ظل تحديات معقدة جداً وصعبة، وفي ظل محدودية الخيارات السياسية، حتى لم يبق من أهمية لتلك المؤتمرات سوى أن تكون دليلا على التمسك التاريخي بالديمقراطية الداخلية، حتى لو كانت تلك الديمقراطية مشوهة ومشوشة.

ها هي فصائل منظمة التحرير الأخرى، عدا "فتح"، تعقد مؤتمراتها الوطنية وتواصل الالتزام بتلك الطقوس، لكنها تنعقد وتنتهي دونما الحد الأدنى من الاهتمام الشعبي والإعلامي، لأن ما بعد المؤتمرات لا يختلف عما قبلها، بل ربما جاءت نتائجها محبطة طالما أنها لم تنقل الفصيل من وضع ما قبلها إلى ما هو أفضل بعدها، حتى فيما يتعلق باختيار قيادات جديدة قادرة على النهوض بالمسؤولية.

مع قليل من الاختلاف تفرضه طبيعة حجم ودور ومسؤولية حركة فتح، فإن مؤتمرها السابع كان يمكن ألا يحظى بكل هذا الاهتمام الذي يشهده حتى قبل انعقاده بوقت ليس قصيرا. لا يعود هذا الاهتمام إلى أن الوطنيين الفلسطينيين يتوقعون من حركة الوطنية الفلسطينية ثورةً على الذات، تنهض بأوضاعها وتنهض بالمشروع الوطني، الأمر الذي يشكل شرطاً للنهوض الوطني العام.

كيف يمكن أن يكون المؤتمر السابع لحركة فتح نهضوياً بامتياز، حين يجري تقليص عضويته إلى ما يقرب من نصف عدد أعضاء المؤتمر السادس؟ أليس هذا دليلا على تراجع حجم الحركة، أي حركة أو فصيل أو حزب؟ كيف يمكن لهذا المؤتمر أن ينعقد أصلاً دون أن يضمن موافقات من قبل الاحتلال ومن قبل حركة حماس تسمح لأعضائه أن يلتحقوا بالمؤتمر؟ أليس هذا دليلا على بؤس واقع الحال، وعلى أن استقلالية القرار مشروخة ومرهونة بعوامل أخرى لا ترغبها الحركة ولا يرغبها الوطني الفلسطيني؟

كيف يمكن أن يكون المؤتمر السابع عرساً وطنياً في ظل انقسام وطني لا يبدو من تبعاته ومخاطره مهرباً ولا مخرجاً، وفي انقسامات فتحاوية تعبر عن نفسها في كل مكان، وهي السبب الرئيس الذي يستدعي قسطاً وافراً من هذا الاهتمام الشعبي والإعلامي؟

وكيف يمكن أن يكون المؤتمر عرساً في ظل علاقات غير سوية مع الشركاء في منظمة التحرير فوق الخلاف العميق مع الحركات الإسلامية الفلسطينية؟ وفي ظل خلاف لا تستطيع كل التصريحات التجميلية أن تخفيه أو تقلل من خطورته، مع ما تبقى من النظام العربي خصوصاً مصر؟.

في الزمن الجميل كانت حركة فتح تحتار أين ستعقد مؤتمراتها الوطنية، لأن الكثير من الدول العربية كانت تتمنى أن تحظى بشرف استضافتها، أما اليوم وعلى أهمية ذلك فإن لا مكان لانعقاد المؤتمر السابع سوى أن ينعقد بموافقات ومواصفات لم يكن أحد يرغبها.

أرجو ألا ينبري أحد للدفاع عن مكان انعقاد المؤتمر، وهو مكان إجباري بدعوى أنه ينعقد على أرض الوطن، وأن ذلك يشكل مكسباً في ظل الظروف التي يعرفها الجميع. لقد أصبح من المؤكد أن المؤتمر سينعقد في مكانه ووقته الذي حددته اللجنة المركزية للحركة، لكن السؤال هو: هل سيكون ما بعد المؤتمر أفضل مما هو عليه اليوم قبل انعقاده؟

سيتمكن المؤتمر من اختيار مجلس ثوري ولجنة مركزية جديدة، أو مجددة، وسيقطع الطريق أمام النائب محمد دحلان وجماعته، لكن هل هذا سينهي المشكلة وفي الأساس هل تعترف قيادة الحركة أن ثمة مشكلة أصلاً تتجاوز حدود الشخصنة المرتبطة باسم دحلان؟

النائب أشرف جمعة من حركة فتح ومحسوب على النائب دحلان، يدعو إلى عدم الالتفات إلى ما يجري في المقاطعة برام الله، ويقصد المؤتمر السابع، وأن على الناس أن تنتظر انعقاد المؤتمر السابع. نفهم من هذا التصريح أن ثمة نوايا لعقد مؤتمر سابع آخر باسم حركة فتح.

إذا حصل هذا ومن غير المستبعد أن يحصل، فإن الحركة ستكون أمام ظاهرة مختلفة عن انشقاق جماعة أبو خالد العملة وأبو موسى (فتح الانتفاضة) ومختلفة عن حالة حركة الأحرار التي انبثقت دونما أن تترك أثراً بعد وقوع الانقسام الكبير.

المؤتمر الذي يبشر بانعقاده أشرف جمعة لا يذهب نحو انبثاق حركة جديدة أو ظاهرة بمسمى مختلف، إذ سيكون متابعة لطبيعة الصراع والخلاف الذي سبق عقد المؤتمر في المقاطعة وبوتائر صعبة ومواجهات أصعب.

التذمر واضح في الشارع الفلسطيني، سواء في غزة أو في الضفة، وحالة الإحباط واليأس من أداء الفصائل والقيادات يشكل بيئة صالحة ومواتية لنمو أي ظاهرة سواء بدافع الاحتجاج أو الانتقام، أو رفض أداء الفصائل أو بسبب التوهان.

لست أكتب رواية أو أقرأ فنجاناً، ولا أرغب في أن أكون غراباً ينعق في البرية، ولذلك فإنني سأتوقف عن إكمال رسم المشهد المأساوي الذي أتوقع أن يكون عليه الحال، لكن الالتزام الوطني يدعوني للتحذير من أن ثمة أطرافا عديدة فاعلة جداً تجد فرصتها في استغلال التناقضات لحركة فتح الكبيرة وفي تأجيج الخلافات.

فليعذرني أعضاء حركة فتح إن كانوا لا يرون إلا ما يرغبون في رؤيته، أو هم مضطرون لرؤيته، فالجمل لا يرى اعوجاج رقبته الطويلة، ذلك أن الحال الذي يقبل عليه الوضع الفلسطيني بعد المؤتمر مقروء سلفاً، فكل الإشارات تقود إلى صحراء قاحلة.

أعرف أنه لا مجال لتعديلٍ أو تبديل، المؤتمر سينعقد وسيخرج بنتائج مرسومة سلفاً، لذلك لا نملك إلا أن نصلي لأن يكون الحال أقل سوءاً مما نتوقعه، لأن الحديث عن النهوض يبدو وكأنه ضرب من ضروب الجهل السياسي.