عطا الله شاهين " ضجيجٌ في المركب "

ضجيجٌ في المركب
حجم الخط

كان المركبُ يتحرك بِتمهلٍ، ومعَه ترنّحت هامتي، فأحسستُ بِدوران آتٍ مِن بَعيد. لمْ يقدِم بعْد، لكنَّه، وقبلَ أنْ يأتي، ليهزّ هامتي هزّاً. كان الضّجيجُ وصوت بكاء الأولاد يصلني فاترا، كطرف سكّينٍ جارح. شاهدتُ طفليْن كانا يخبطان بِإصبعَيهمَا مشبكَ علبة كوكا كولا، وأرد كل منهما كسرَهَا ليَكون المنتصر. وسمعتُ هناك صوتا شاب وفتاة كانا يَتضاغنان ويتعادان بقُوة، كأنها تعَمَّدا فِعلَ ذلك، حتى يَصِلَ صوتَاهُمَا إلى أسْمَاعِ الفارّين. كانا يَتضاغنان حَولَ الطَّريقِ. ومن بَعيد، علتْ قهقهةٌ سَاخِرة من كل ما حُكي.

 

كان المركبُ مليئاً بِالأولاد، لكنني رأيتهم شَبيهُين بِهرمين مُعتلين، شيء غريبٌ طافَ حول سحناتهم. من على متنِ المركبِ بدا البحرُ قريبا جدا منّا، لكنَّ دنيا بَائسة لوّحتْ لنا من بعيد. الأولاد كانوا يتسارعون نحو مؤخرة المركب ليُبْصِرُوا ذلك الشيء الغريب. لا أحد كان يبالي بما قد يَحصل، الناس الهرمون احتسوا العصير بِنهم، وحلموا بالرجوع. أمٌّ نحيفة تَتبَعت طفلها السَّارح في المركب. بدا بأنه قد أتمّ سنته الأولى، وقد آن وقت المعاندة. في تلك اللحظات كان يتَدرب على الخطو، وخبط أرضية المركب بقوة، فبدت والدته فرحة به، عندما كان يخبط بقدميه الأرض. فقلت في ذاتي آه لن أقدر النعاس مع كل هذه الضجة كُلَّما سقط الطفل على الأرض، فأمه ردَّدت خلفه هيا يا صغيري، هُجوم. كان الطفل يُعجبه التمدد على الأرض، خاصة عندما كان فيضع وجنته على البساط المُتَّسِخ، رأيت كيف كانت أمه تستَحثُّهُ لكي ينهض لكنه تمادى في التمدد مبديا ابتِسَامَة سَاخِرَة. في الجهة الأخرى من المركب، والدٌ كان يأخذ صورة تِذكَارية لطفلتيه الصَغيرَتين، إحداهُما انتعلت حذاء أحمر، والثانية حذاء رياضيا أزرق اللون. أولاد صاحوا وارتفعت أصواتُهم كَأن مصيبة حلَّت، كنتُ أنتظر أن يوقِفَ أحداً هَذا الصياح المجنون، لكن، ليس هناك من رد فعلٍ يُذكَر. قلت في ذاتي كيف يَحْتَمِلُ النَّاسُ كلَّ هذا بِفتور لا يُتصوّر.

 

أولاد وقفوا وتأملوا البَحرَ، ونظروا إلى الأمواج العالية التي كانت تضرب الشاطئ. وفي وسط المركب، كان هُناكَ شَباب كُثر يُشبِهُون أسود البحر، تهافتوا على المَقصَف، لكي يتناولوا الشّطائر الجاهزة، شاهدتهم يشربون الكوكا الكولا بِنَهم غريب، ومسحوا أيَاديهم في أطراف قمصانهم البالية، وبعدها ساروا بمقلٍ تائهة مفتّشة عن شيء مفقود.

 

كان المركبُ يترنّح كأنه ثملٌ، البعض أسرّهم هذا الحال، فأخَذوا يَتَمايَلون معَه ويقهقهون بصوت مرتفع. ومن بعيد كانت موجات قوية تحذّر ببدء إعصار قوي.