اطلس للدراسات تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي، مصطلح أو مفهوم دارج الاستخدام، ويستخدم بكثافة عالية في الخطاب والإعلام الإسرائيلي، وبات أحد المفردات لأزمة الخطاب السياسي الإسرائيلي، وهو ينطوي على جاذبية وقوة سحرية غريبة تجعل أي تناول له يقفز الى العناوين المركزية ويحظى بمتابعة شغفة ويستشهد به كأحد المسلمات، سواء في سياق التدليل أو التبرير أو الاستنتاج؛ هذا برغم ان تهديدات الامن القومي الاسرائيلي تضم تشكيلة واسعة مما يعتبر تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي، وتخضع عناصرها للتغيير وأولوياتها للتبديل بحسب الجهة التي تحددها وتطلقها، وهاكم عدد من تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي (الملف النووي الإيراني، استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي، العلاقات الأمريكية الإيرانية وترميم العلاقة الاسرائيلية الأمريكية، صواريخ حزب الله وغزة، المحافظة على قدرة الردع الإسرائيلية، مخرجات الربيع العربي وتعاظم القدرات العسكرية والتسليحية للجماعات المسلحة، تحول إيران الى دولة إقليمية عظمى ذات نفوذ إقليمي، القنبلة الديموغرافية والخصوبة العالية للمرأة الفلسطينية وضمان يهودية الدولة وديمقراطيتها، غياب السلام، مقاطعة إسرائيل وعزلها، شكل الحروب الجديدة ووصولها للجبهة الداخلية وعدم القدرة على حسمها).
هذه بعض أهم تهديدات الأمن القومي الاسرائيلي التي نقرأها ونسمعها بين الحين والآخر، وهي مختلفة ومتنوعة، ويختلف تدرج أولويتها بحسب أجندة ودوافع ووظيفة الجهة التي تحددها، فالمستوطنون يعتبرون الخطر على استمرار الاستيطان هو التهديد الأهم، والأمنيون ينقسمون بين أولوية الخطر الإيراني وأولوية صواريخ حزب الله ...الخ.
بيد ان التهديد الحقيقي الأكبر للأمن القومي الاسرائيلي لن نعثر عليه، لا في خطاباتهم ولا في دراساتهم وأبحاثهم، وهو عدم القدرة على الاستمرار في إنجاح صناعة الخوف، فصناعة الخوف تعتبر اللبنة الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي، الخوف من الآخرين على اختلافهم.
إسرائيل دولة قامت على الخوف، ولا زالت تقوم عليه، وتبرع كثيراً في زراعته، وتعزز في عقول أبنائها انها دولة تعيش وستظل تعيش على حافة الكارثة، فالخوف هو الضد الأبدي التي ستظل تصارعه، وينتج معه حيوية التطور والبقاء والتلاحم الداخلي، وكأن مؤسسو إسرائيل عرفوا منذ البداية ان دولتهم غير قابلة للحياة والبقاء والازدهار بدون استمرار الخوف من الآخرين، فلا بد لبقائها من الاستمرار في زراعة الخوف وصناعة الأعداء والتهديدات القومية.
الخوف هو الركن الأكثر أصالة في نشأة الصهيونية وإنتاج وإنجاح مشروعها الصهيوني (البعث القومي اليهودي) منذ مؤتمرهم الصهيوني الأول في سويسرا عام 1897 الذي قام على الممارسات اللاسامية في أوروبا وروسيا تجاه اليهود، وجاءت المذابح التي ارتكبت بحق اليهود على أيدي النازيين إبان الحرب العالمية الثانية كمعجزة من السماء لانتصار الفكرة الصهيونية على ما سواها بين اليهود أنفسهم.
الاعلام والدعاية الصهيونية العالمية لا زال وسيبقى يستخدم صناعة الهولوكوست، وسيظل يقصف مواطني العالم بالإحصاءات عن الممارسات اللاسامية لابتزاز العالم، ولتذكير اليهود وحثهم على الهجرة الى إسرائيل.
الخوف في إسرائيل لا يخضع فقط لاعتبارات الأجندة والايديولوجيا، فيبدو انه مركب عضوي بات جزءاً من الـ DNA للدولة التي قامت على الاغتصاب والقتل والتشريد، وسلب حقوق شعب لا زال يناضل للعودة واسترجاع حقوقه، وأن الدولة التي قامت على امتلاك القوة والتفوق وعلى التواطؤ والتآمر الدولي؛ لابد لاستمرارها من استمرار تفوقها واستمرار التواطؤ الدولي، وهي أمور غير مضمونة تلقائياً، ولضمان استمرارها لابد من المثابرة على زراعة الخوف وتوظيف اللاسامية.
نتنياهو هو أكثر من يجيد زراعة الخوف واستثماره، ولا ينفك يستخدم خطاب التخويف في كل مناسبة تتاح له، وآخرها كان في ذكرى "المحرقة"، فقد أعاد على مسامع مستمعيه التهويل من مخاطر اتفاق إطار لوزان الذي يمنح إيران القدرة على تهديد وجود إسرائيل، وذكر زعماء الغرب بماضي دولهم المتساهل حيال النازية وحيال المجازر ضد اليهود، منتقدا تساهلهم مع إيران، ومؤكداً على ان اليهود يضطرون مرة أخرى لمواجهة مصيرهم لوحدهم في ظل صمت العالم.
ريفلين ويعلون أعادا تقريبا الخطاب نفسه المحذر والمهول والمخوف من التساهل الغربي تجاه التوجهات الإيرانية، التخويف من إيران أو من حماس وحزب الله أو من ما يسمونه بالتطرف الإسلامي، يستخدم كفزاعة وكمبرر للتهرب من تقديم أي مبادرات أو بدائل سياسية إيجابية، فالخوف من حماس يبقي على مبررات الحصار، والخوف من صواريخ حزب الله يبقي على مشروعية الأعمال العدوانية ضد لبنان وضد سوريا، والخوف من الفلسطينيين يبقي على مبررات الاحتلال والاستيطان، والخوف من فلسطينيي الداخل يبقي على مبررات تشريع العنصرية وخطابها، والخوف من إيران يفرض استمرار حصارها ومعاقبتها، والخوف من الأخطار الكامنة المستقبلية يبرر الأعمال العدائية "الوقائية" الاستباقية ضدها، فالخوف في إسرائيل يصنع السياسة، والسياسة بدورها تعيد إنتاج الخوف.
الويل لإسرائيل لو توقفت عن الخوف وإطلاق صيحات الصراخ المحذرة من "الذئب"، فكانت ستتوقف عن الحياة، وكأن مبدأها "أنا خائف فأنا موجود".