مصـر: «أفــواه وأرانـب»!

حسن البطل
حجم الخط

هاكم ثلاثة معطيات رقمية ـ ديمغرافية لثلاث دول شرق أوسطية، وحاولوا أن تجدوا فيها خلافاً أو وفاقاً مع قصيدة أمير الشعراء، في حينه، أحمد شوقي: «نصحتُ ونحن مختلفون داراً/ ولكن كلنا في الهمِّ شرق».
إسرائيل: قبل أيام، ورد خبر في الصحف الإسرائيلية، مفاده: «لأول مرة يتساوى عدد الولادات اليهودية مع عدد الولادات الفلسطينية». لا أعرف هل هذا المعطى الديمغرافي يشمل البشر من «الخط الأخضر» حتى الساحل، أم من النهر إلى البحر، علماً أن رحم الحريدية اليهودية يخلّف حتى خمسة أضعاف العلمانية الإسرائيلية.
تركيا: كم سيبلغ عديد سكان تركيا في العام 2023 (المصادف لمرور قرن على التأسيس الجمهوري الأتاتوركي؟) رئيس حزب العدالة والتنمية ساق، قبل شهور، سياسة لتشجيع زيادة النسل، وبموجب برنامج الدعم الأسري، ستساهم الحكومة بتقديم إعانة 300 دولار للطفل الأول، وضعفها للطفل الثالث، سواء أكانت الوالدة التركية في البلاد أو خارجها. كذا ستدفع 15% من تكاليف زواج التركي وتأثيث بيته. أيضاً، الخريج الجامعي في القطاع الخاص تتحمّل الدولة راتبه لمدة عام من تعيينه!
مصر: بين حزيران 2016 وتشرين الثاني من العام ذاته، ازداد عديد سكان مصر مليون نسمة، وصاروا 92 مليوناً!
هذا يعني، حسب الجهاز المركزي المصري للإحصاء، أن معدل الازدياد في مصر يفوق معدله في الدول المتقدمة بخمسة أضعاف؛ وفي الدول النامية بمعدل الضعفين، نتيجة مولود جديد كل 17 ثانية.
في الحصيلة؟ ازداد عديد سكان مصر 17.3 مليون نسمة خلال عشر سنوات 2006 ـ 2016.. مع طرح عديد الوفيات من عديد الولادات.
على ما أتذكّر، كان عديد المصريين بعد ثورة يوليو 1952 أكثر بقليل من 23 مليون نسمة، وفي مرحلة ما بعد ناصر، أنتجت السينما المصرية فيلماً بعنوان «أفواه وأرانب»، عن فرط ازدياد سكان يعيشون على 7.8% من مساحة مصر البالغة مليون كم2.
قبل ثورة يوليو الناصرية، قال أحمد شوقي في صدر بيت شعري «نصحتُ ونحن مختلفون داراً»  وفي عجز البيت «ولكن كلنا في الهمِّ شرق» في قصيدته الشهيرة: «سلامٌ من صبا بردى أرقُ/ ودمعٌ لا يُكفكَفُ يا دمشقُ» متعاطفاً مع ضحايا قصف مدفعي للاحتلال الفرنسي لدمشق!
الشرق في القصيدة إياها يعني هذا الشرق الأوسط (الذي كان يسمى الشرق الأدنى) وصارت شعوبه ودوله غارقة في همِّ حروب طائفية ومذهبية، إقليمية ودولية، فاقت في خسائرها بأرواح البشر مرحلة الحروب الحدودية بين الجيوش، ناهيك عن ملايين اللاجئين في بلادهم أو إلى خارجها.. والخراب العميم!
يبدو أن سياسة الحدِّ من النسل، وتنظيم الأسرة، وتوزيع واقيات من الحمل، قد فشلت في مصر، وتبعاً لهذا الفشل ازداد الاختلال بين معدلات النموّ الاقتصادي ومعدلات ازدياد السكان، بحيث يعيش ربع سكان مصر تحت خط الفقر.
إلى ذلك، هناك اختلال فادح في توزيع سكان مصر، حيث تزدحم القاهرة بـ 9.5 مليون نسمة (10.4% من السكان) بينما نسبة السكان في شبه جزيرة سيناء، 60 ألف كم2، لا يتعدّى الـ0.2%، ويعرقل الإرهاب الإسلامي خطط تنمية سيناء، التي هي «درع مصر» في مواجهة إسرائيل.
لعلّ كلمة «مصاري» منسوبة إلى مصر، عندما كانت مصر في حالة رخاء وتوازن بين سكانها ومستوى معيشة أهلها، كما كان يقال «تبغدد» عن حال أهل بغداد والعراقيين في زمن رخاء سالف، أيام الإمبراطوريات العربية ـ الإسلامية، ولو أن الشاعر مظفر النواب قال بعدها: لم يمرّ عام على العراق عام دون جوع؛ قبل حروبه، التي جعلته الآن مع سورية «دار حرب» واقتتال وخراب.
تحاول حكومة مصر، بعد الانتفاضة في «ميدان التحرير»، ثم انتفاضة الجيش اللاحقة، إجراء إصلاحات قاسية، منها تعويم قيمة صرف الجنيه، بحيث صار كل دولار 17ـ18 جنيهاً، أي أن المصري الفقير عليه تدبير قوت يومه بدولار واحد يومياً.
حدّثني زميل فلسطيني من غزة كان يدرس في جامعات مصر، قبل حرب العام 1967، أن عبد الناصر وظّف طلاب أهل غزة في مصر في جهاز الحكومة، براتب شهري (ماهيّة) بـ12.5 جنيه، كانت تكفي آنذاك، وفي زمن غنى فيه عبد الحليم حافظ «من أموالنا/ بإيد عمّالنا/ قلنا حَ نبني/ وده إحنا بنينا السد العالي».
حالياً، تبحث مصر عن مليارات الدولارات قروضاً عربية ودولية لتعويم الاقتصاد، وتقوم بخطط استراتيجية عملاقة لتوفير عمل لملايين الخرّيجين، ولكنها تخسر في معادلة توازن معدلات النمو الاقتصادي مع معدلات ازدياد السكان.
هذا اختلال راهن، أيضاً، في سورية والعراق واليمن وليبيا، لكن الاقتصاد التركي والإسرائيلي في حالة ازدهار ونموّ، وربما سيصبح الحال في إيران هكذا بعد رفع العقوبات عنها.
لا تستطيع حكومات مصر الاقتداء بسياسة الصين: ولد واحد لكل زوجين، فهل تنجح في رفع معدلات النمو الاقتصادي لتستوعب معدلات الازدياد السكاني؟ كانت مصر «هبة النيل» والآن صارت مياه النيل مشكلة أخرى من مشاكل مصر مع دول حوض النهر، أطول أنهار العالم وليس أغزرها مياهاً.
كانوا يتحدثون عن «حروب النفط»، آبار وخطوط نقله وأسعاره، ثم عن «حروب المياه».. لكن الحروب الأهلية والمذهبية جاءت لتكون «ضغثاً على إبالة» ومعها الانفجار السكاني في دول، وشحة المولودية في دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا وروسيا.

«ريح على نار»
في أغنية نجاة الصغيرة لقصيدة نزار قباني تتحدث عن حبّ لحبيب عائد: ومنها «الحرائق في دمي».. لكن الحرائق في فلسطين جاءت بعد ريح جافة استمرت ستة أيام، مع رطوبة 10% فقط.
يبدو أن البعض في إسرائيل، مثل نفتالي بينيت (وبدرجة أقلّ نتنياهو)، صار مثل تنّين صغير ينفث النار العنصرية من فمه محرضاً على سلطة فلسطينية «تشجع على إضرام النار في الصباح، وترسل سيارات الإطفاء إلى حيفا في المساء»!
كان أوري أفنيري قد تساءل: بأيّ صمغ يلصق بينيت القبّعة المطرّزة على رأسه الأصلع؟ الذي جعله من عقول الهاي ـ تيك وصاحب لسان ينفث رياح العنصرية على النار.