تعيينات ترامب مثيرة للقلق..!

أكرم عطا الله
حجم الخط

من المبكر الحكم على السياسة التي سيتبعها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فليس للرجل تاريخٌ سياسي يمكننا من معرفة توجهاته، فهو لم يكن ينتمي للحزب الجمهوري حتى، وهذه أول مرة يهبط فيها رجل من خارج السياسة الأميركية على رأس الدولة، إنه رجل مغمور جاء من عالم العقارات والمضاربات والصفقات التجارية، لم تؤخذ تصريحاته بجدية أثناء الحملة الانتخابية لجهله الكبير بالشؤون الخارجية، فهو ليس أكثر من قومي أميركي تنحصر كل معارفه بالشؤون الأميركية.
عادة ما يحاول المحللون استنباط سياسة الرئيس المنتخب استناداً لتاريخه، وإن تعذر ذلك  فمن خلال تاريخ الطاقم الذي  يختاره الرئيس لتنفيذ سياسته أو من خلال خطاب العرش الذي يلقيه يوم التنصيب في العشرين من كانون الثاني، بالرغم من أن تقاليد المؤسسة الأميركية مبنية على أن يقوم الرئيس الفائز بعيد الإعلان عن النتيجة بتشكيل طواقم متخصصة لتجهيز الملفات ووضع خرائط الطريق التي يسير عليها الرئيس الجديد، تلك الطواقم تجوب العالم وتعيد دراسة الدول وعلاقة الولايات المتحدة بها، ولا تنتهي هذه من وضع ملفاتها على طاولة الرئيس قبل أربعة إلى ستة أشهر.
لذا فإن غالبية الرؤساء الأميركيين لا يبدؤون جولاتهم الخارجية أو حتى استقبال نظرائهم قبل الربيع تكون كافة الملفات الدولية قد أنجزت ووضعت خطوطها العريضة، وتفاصيل حركة الولايات المتحدة وبأي اتجاه تكون، وبخطط تمتد طوال ولاية الإدارة، لذا ليس هناك مصادفات في السياسة  الأميركية، بل إن كل تصرف مدروس بإحكام استناداً للخبراء في الملف وراسمي السياسة ومهندسيها.
لكن ترامب المبهم وقبل إتمام هذه الملفات يكشف مبكراً عن سياساته من خلال فريق العمل الذي بدأت تظهر ملامحه خلال الأيام الماضية بشكل واضح، فكل منهم له تاريخ، وهؤلاء معا يتجانسون في رؤيتهم لما هو خارج أميركا، لنكتشف أننا أمام فريق قومي متعصب مهتم فقط بالولايات المتحدة الأميركية ومصالحها في الساحة الدولية، وتكشف شخصياتهم أيضا أننا أمام إدارة محافظة وصارمة على قدر من التعصب لم تمر عبر التاريخ الأميركي.
خلال استعراض الأسماء يسهل التأكد من ذلك، فالخمسة الذين ظهروا حتى الآن كمرشحين في إدارة ترامب مثيرون للريبة، لأن لكل منهم تاريخا مدعاة للخوف سواء على المستوى الشخصي أو من خلال ما سقط منهم من تصريحات سابقة، فالمرشح لوزارة العدل هو السيناتور جيف سيشنز معروف بتشدده وآرائه العنصرية، وقد تم رفض تعيينه كقاض في الثمانينات بسبب عنصريته.
أما المرشح لإدارة وكالة الاستخبارات الأميركية الـ CIA عضو الكونغرس مايك بومبيو فمعروف بتشدده ضد روسيا وإيران وضد الإسلام، وكان قد اطلق مواقف عدائية من كل هؤلاء، وهو عضو بحركة حزب الشاي وهي الحركة التي تقف على يمين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتضم اكثر المتشددين فيها، إلى الدرجة التي تبدي آراء متطرفة حتى ضد مخالفيها من الجمهوريين والديمقراطيين والليبراليين في أميركا.
المرشح الذي لا يقل تطرفاً هو ستيف بانون الذي يجري الحديث عن اختياره من قبل الرئيس كمستشار استراتيجي، وهو معروف بأنه من غلاة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، وكذلك يشكل اختيار جيمس ماتيس لوزارة الدفاع ليضيف إلى طاقم ترامب واحداً من الذين يشكلون قلقاً بالنسبة للمراقبين، فهو يلقب بـ «الكلب المجنون»، وهو من أشد المناوئين لإدارة أوباما وخصوصا في الملف النووي الإيراني.
كل ذلك حتى اللحظة مجرد ترشيحات قوية تحتاج إلى مصادقة من قبل الكونغرس كي تمر، لكن التعيين الأخطر والذي أصبح نافذاً دون الحاجة إلى الكونجرس هو الجنرال مايكل فيلين الذي أعلن عن اختياره كمستشار للأمن القومي، وهو معروف بتطرفه ومتمرد لا يلتزم بالتسلسل، وكان الرئيس أوباما قد أقاله بسبب تطرفه، بل وأبعد من ذلك موقفه من الإسلام الذي وصفه ذات مرة «بالسرطان» قائلاً «إن الإسلام ليس ديناً وإنما أيديولوجية متطرفة» معتبراً أن «الخوف من المسلمين هو أمر منطقي».
إذن، نحن أمام ما يدعو للقلق سواء على صعيد المسلمين أو حتى أوروبا وإيران وروسيا، إذ يبدو المشهد أننا أمام مجموعة مندفعة مدججة بالعداء ضد كل ما هو غير أميركي، وهو ما جعل الكاتب في صحيفة هآرتس حامي شيليف إلى القول إن تركيبة الإدارة يمكن أن تفضي إلى تهديد الجنس البشري بشكل عام، داعياً إلى الشروع في إعداد الملاجئ للحماية من السلاح النووي .. قد تكون تلك مبالغة ولكنها تشي بقلق كبير.
لأول مرة في الولايات المتحدة احتفل يوم السبت الماضي مَن أُطلق عليهم مجموعة النازيين الأميركيين التي تسمي نفسها مجموعة اليمين البديل والتي رفعت الأعلام النازية احتفالاً بانتصار ترامب الذي اعتبرته «يقظة للأمة الأميركية» مطالبةً الأميركيين البيض في احتفالها والذين وصفتهم بـ «أبناء الشمس» الذين «وصلوا إلى الهامش» باستمرار النشاط، وهو الأمر الذي  أصاب المسلمين واليهود في أميركا بالخوف من تلك العنصرية الآخذة بالتنامي والتي تعكس نفسها في مؤسسة القيادة.
الحركة النازية التي تتخذ من مدينة مينابوليس مقراً لها تضم أعضاء نازيين ترفع علناً الصليب المعقوف، قام بعض أعضائها بارتكاب جرائم عنصرية. وقبل خمسة أشهر في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي صرخ بعض أعضائها في وجه مقترعة يهودية كانت تصوت لهيلاري كلينتون قائلين «غادري بلادي يا يهودية .. اذهبي إلى إسرائيل أو إلى الأفران».
الجالية اليهودية في أميركا تشعر بالخوف الشديد كما المسلمين هناك، ونحن الفلسطينيين نخشى من تزايد هذه الظاهرة التي تلقت دفعة قوية مع فوز ترامب وما تحمله من نقمة على اليهود هناك، لنشهد تزايداً في الهجرة كالتي تسببها فوز هتلر في انتخابات عام 1933 في ألمانيا، ومع ما يقوله الكاتب في هآرتس حامي شيليف من أن عدداً من الدوائر المقربة من ترامب تؤمن بحقيقة نشوب حرب يأجوج ومأجوج، هذا يستدعي الخوف من أن تقوم تلك الدوائر بتعزيز تلك الثقافة، وهذه الرواية تستدعي تجميع اليهود في فلسطين لتبدأ تلك الحرب.. هذا شيءٌ يدعو للخوف حقاً .. العالم يراقب التعيينات والنذر التي تطل من الولايات المتحدة والحركات التي تتنامى .. يراقب بحذر وخوف ولنا من هذا  الخوف نصيب .. هناك قلق على المؤسسة الفلسطينية والأحزاب وخصوصاً الإسلامية، وقلق على مستقبل الصراع مع إسرائيل قد ينزاح باتجاه الأسطرة..!