صورتان، لا تتشابهان!

20121127_06_4307_0
حجم الخط
 

اللقطة الأولى

كان، يا ما كان، في مدينة وارسو البولندية، قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها، وبالتحديد عام 1941 كان يعيش أكثر من نصف مليون يهودي في هذا الحي، والحي محاطٌ بسور إسمنتي طويل من كل الجهات، يفصله عن المجتمع الألماني، ولهذا الحي اثنان وعشرون بابا، يقف على كل باب منها ثلاثة جنود، جندي ألماني، يمثل السيادة، وجندي بولندي مسيحي، يمثل السيادة الدينية، وجندي بولندي يهودي، يمثل سكان الحي.

وكان يدير الشؤون الحياتية مجلس شيوخ، يعينهم الألمان.

وكان مفروضا أن تكون كل البضائع التي تدخل الحي من إنتاج ألماني، وللغيتو عملته الخاصة، وجريدته اليومية، ومحاكمه الخاصة، وتعليمه الخاص.

ما أدهشني أن سكان الحي وقعوا على بند يقضي بأنهم ملزمون بتوريد عدد من العاملين اليهود ليعملوا مجانا في بولندا، وألمانيا، وذلك لتسديد ديون الغيتو اليهودي، مع العلم بأن العامل اليهودي كان يتقاضى ربع أجرة العامل البولندي، وكان الفقر في الغيتو هو السمة الأساسية المفروضة، لدرجة أن أصبحت نسبة الوفيات تسعة عشرة في المائة!

اللقطة الثانية

هذه اللقطة من مخيم عين الحلوة في صيدا لبنان، في أول شهر نوفمبر 2016، أي في الألفية الثالثة.

 يبلغ عدد سكان مخيم عين الحلوة تسعين ألف فلسطيني، يعيشون في مساحة كليومترٍ واحد فقط! قرَّر المسؤولون في لبنان تطويقه بجدار عزلٍ كامل، مع نقاط مراقبة، لمراقبة دخول وخروج الفلسطينيين منه!

مع العلم أنَّ الفلسطينيين ممنوعون من ممارسة العمل في لبنان، في حوالي سبعين مهنة، لأنهم فلسطينيون.

يكمن الفرق بين اللقطتين، في أن معظم وسائل الإعلام اللبنانية الحُرَّة، ما تزال تتغنَّى بأنها تقفُ في خندقٍ واحدٍ مع الفلسطينيين، وأنَّ الفلسطينيين هم إخوةٌ أشقاء للبنانيين، وأن لبنان تُسخِّر كل إمكاناتها لنصرتهم ودعمهم!

الفراقُ أيضا، أنَّ هناك أثني عشر مخيما فلسطينيا في لبنان، وليس مخيما واحدا، يُحظر في معظمها إدخال مواد البناء إليها!

ويكمن الفرقُ أيضا بأنَّ بقايا المثقفين، وأنصار الحقوق في كل مكان، ورجال الأحزاب، أدَّوا واجبهم عندما فاوضوا اللبنانيين، وجمَّدوا بناء الجدار إعلاميا فقط، واستمر العمل في بناء سور الفصل في غياب التغطية الإعلامية، في لبنان، وطن الحريات، ومهد الديمقراطيات، وموئل الثقافة والمثقفين!