العلاقات الوطنية الداخلية، المحكومة للمنطق والبرامج والمصالح الفصائلية قبل أي شيء آخر، دخلت مرحلة متقدمة من الابتزاز والتجاذب السلبي، واللعب بالأوراق الخطيرة، التي تهدد بدوام الانقسام، والمشروع الوطني، ما لم يتفق الطرفان فتح وحماس على مساومة ترضي كليهما، بعد أن حاول كل طرف أن يفرض على الآخر، رفع الرايات البيضاء، والزحف على البطن.
عام كامل مرّ على ما يُعرف بتفاهمات الشاطئ، التي استغرب المراقبون والجمهور الفلسطيني سرعة إنجازها، وما رافقها من احتفالية ظاهرة ظن معها البعض، أن الطرفين دخلا على نحو مفاجئ مرحلة شهر العسل، غير أن ما جاء بعدها من أحداث عظام، كان قد كشف عن عمق أزمة الثقة، وعن استمرار العقلية الفصائلية، وعن أن ما جرى لم يكن سوى تكتيك فرضته حاجة الطرفين للإقدام على ما أقدما عليه، إلى أن تمنح المتغيرات الإقليمية والعربية أحد الطرفين الفرصة لفرض رؤيته على الآخر.
لم يكن اتفاق الشاطئ طويلاً، ولا معقّداً إلى الحدّ الذي يجعله ينتظر عاماً كاملاً، واختلافاً في تفسير مفرداته الواضحة والسهلة، لكن ما في النفوس من شأنه أن يفسد النصوص.
في جولات السجال الناشبة في الساحة الفلسطينية خلال الأشهر الأخيرة، لم نعد إلاّ لماماً نسمع عن اتفاق القاهرة، وملفات المصالحة الأخرى، بعد أن طغى عليها جميعاً ملف دمج موظفي حكومة حماس المنحلة، الذي تحول إلى أن أصبح مفتاح الوئام والصدام. وعلى الرغم من أهمية هذا الملف، وضرورة معالجته، إلاّ أن طغيانه على ما سواه، يعني أن كل موضوع المصالحة، هو موضوع نفعي، وان مصالح الناس لا تحظى بأدنى اهتمام، وبأن المال هو من يحظى بمكانة المقرر في قضايا كبرى. الحكومة جاءت إلى غزة يوم الأحد الماضي، وبذهن وزرائها الأحد عشر انها ستباشر تنفيذ قرارها بالتواجد دورياً، في غزة والضفة، ما يعبر عن نقلة جدية في التفكير إزاء الملفات التي تتحمل المسؤولية عن معالجتها والمهام الموكلة إليها لتنفيذها.
جاءت الحكومة وفق قرارات مسبقة، ومعلنة تتضمن آليات واضحة لكيفية معالجة ملف رواتب الموظفين كل الموظفين من كانوا قبل عام 2007 ومن دخلوا الخدمة بعد ذلك التاريخ وحتى اليوم، لكنها أسرعت إلى العودة من حيث أتت، قبل أن يمر أربع وعشرون ساعة على دخولها من معبر بيت حانون. يعلم من حضروا من الضفة إلى غزة يوم الأحد، بأنهم غير مُرحّب بهم، ذلك أن الرسائل التي استبقت حضورهم كانت غاية في الوضوح. ثلاثة تفجيرات، أحدها بالقرب من مقر الحكومة المؤقت، لا تستطيع حركة حماس أن تنكر مسؤوليتها عن القيام بها، كانت تقول للقادمين من الضفة، إنكم لن تجدوا ترحيباً، ولا تسهيلاً للعمل الذي أنتم قادمون من أجل القيام به.
ثمة اعتراض قوي غير قابل للحوار، لكن هذا الاعتراض لم يكن مفهوماً للناس، ولا متفهماً من قبلهم، ولم يكلف أحد من حماس نفسه عناء شرح أسباب ومكامن هذا الاعتراض القوي.
تم إفشال الوفد الوزاري، وتم منعه من التحرك إلى المقرات، والبدء بتسجيل الموظفين وفق الآليات التي تم إقرارها. لا نريد أن نعتمد على التسريبات بشأن أسباب هذا الموقف من حركة حماس التي تكتفي بإصدار تصريحات تقول فيها إن الحكومة لم تلتزم بالتفاهمات التي أقرتها اللجنة المكلفة برئاسة نائب رئيس الوزراء الدكتور زياد أبو عمرو.
وبرأينا أن القصة تذهب إلى ما هو أبعد بكثير، إذ تتوارد الأخبار عن مصادر إسرائيلية وأجنبية، تفيد بإمكانية وقرب التوصل إلى اتفاق عبر وساطة أوروبية سبقتها وربما رافقتها وساطة قطرية، يقضي بهدنة طويلة مقابل تسهيلات من نوع رصيف بحري، وتخفيف الحصار تدريجياً، وربما يصل إلى موافقة إسرائيل على إصدار تصاريح عمل لعمال من القطاع. هذه ورقة قوية بيد حماس، ومخيفة للسلطة وحركة فتح، نظراً لأبعادها الاستراتيجية على كل الحالة الفلسطينية، مشروعاً وحقوقاً، ومؤسسات تمثيلية.
من الواضح أن حماس تستغل هذه الورقة جيداً للضغط على الطرف الآخر من المعادلة الفلسطينية، ولكي يضطر لتقديم تنازلات لا يرغب في تقديمها، أما الطرف الآخر فإنه يعتمد سياسة نزع الذرائع، وهو ما تصرّ الحكومة على القيام به رغم كل الاعتراضات والعقبات التي تضعها حماس في طريقها. ثمة مثابرة وإصرار بقرار من رأس السلطة، لأن تكرر الحكومة المحاولة وهو ما يفسر قرار رئيس الحكومة بالعودة القريبة إلى غزة لمعالجة ما يتعطل من الملفات وهو ملف الموظفين، ولكن على الكل أن ينتبه إلى ما قد يأتي لاحقاً في حال فشلت هذه المحاولات.
على أن التفجير الأقوى والذي ينطوي على أبعاد تتجاوز الخلاف الحمساوي مع الحكومة، ويذهب نحو المساس بمصالح الناس في قطاع غزة، ذلك التفجير، كان من فعل كتلة التغيير والإصلاح، التي أقرت تشريعاً بفرض ما يسمى بضريبة التكافل.
من حيث المبدأ، فإن إصدار مثل هذا التشريع، هو من صلاحيات المجلس التشريعي الذي لا تستطيع كتلة التغيير والإصلاح، أن تمضي وحدها كبديل عن المجلس المعطّل. ومن حيث المبدأ، أيضاً، معروف أن تطبيق هذا التشريع سيكون حصرياً على سكان قطاع غزة، الذين لا ينقصهم فقر وبطالة، وحصار ووجع، وجوع، وعطش وبرد وحر وقهر. مثل هذا التشريع لا يمكن إلاّ أن يستند إلى توافق وطني وشعبي، ذلك أنه يحمل على الناس أعباء ثقيلة، وعلى الفقراء تحديداً لأن من سيتكبد التكاليف، كما سمعنا من شرح أحدهم، ليس التجار وإنما المواطن.
وفي ظل الجهود الرامية لتفعيل دور الحكومة، وحضورها في قطاع غزة، إذ هي فعالة في الضفة والقدس، فإن إصدار مثل هذا التشريع كأنه يحمل رسالة مفادها أن الحكومة لن تستطيع السيطرة لا على ما يفرض من ضرائب، ولا على مردوداتها. في الواقع ثمة ضرائب كثيرة تتم جبايتها خارج القانون، ما يدعو للتساؤل حول الإصرار الواضح على عدم التخلي عن المعابر، وتسليمها للسلطة.
عام كامل مرّ على ما يُعرف بتفاهمات الشاطئ، التي استغرب المراقبون والجمهور الفلسطيني سرعة إنجازها، وما رافقها من احتفالية ظاهرة ظن معها البعض، أن الطرفين دخلا على نحو مفاجئ مرحلة شهر العسل، غير أن ما جاء بعدها من أحداث عظام، كان قد كشف عن عمق أزمة الثقة، وعن استمرار العقلية الفصائلية، وعن أن ما جرى لم يكن سوى تكتيك فرضته حاجة الطرفين للإقدام على ما أقدما عليه، إلى أن تمنح المتغيرات الإقليمية والعربية أحد الطرفين الفرصة لفرض رؤيته على الآخر.
لم يكن اتفاق الشاطئ طويلاً، ولا معقّداً إلى الحدّ الذي يجعله ينتظر عاماً كاملاً، واختلافاً في تفسير مفرداته الواضحة والسهلة، لكن ما في النفوس من شأنه أن يفسد النصوص.
في جولات السجال الناشبة في الساحة الفلسطينية خلال الأشهر الأخيرة، لم نعد إلاّ لماماً نسمع عن اتفاق القاهرة، وملفات المصالحة الأخرى، بعد أن طغى عليها جميعاً ملف دمج موظفي حكومة حماس المنحلة، الذي تحول إلى أن أصبح مفتاح الوئام والصدام. وعلى الرغم من أهمية هذا الملف، وضرورة معالجته، إلاّ أن طغيانه على ما سواه، يعني أن كل موضوع المصالحة، هو موضوع نفعي، وان مصالح الناس لا تحظى بأدنى اهتمام، وبأن المال هو من يحظى بمكانة المقرر في قضايا كبرى. الحكومة جاءت إلى غزة يوم الأحد الماضي، وبذهن وزرائها الأحد عشر انها ستباشر تنفيذ قرارها بالتواجد دورياً، في غزة والضفة، ما يعبر عن نقلة جدية في التفكير إزاء الملفات التي تتحمل المسؤولية عن معالجتها والمهام الموكلة إليها لتنفيذها.
جاءت الحكومة وفق قرارات مسبقة، ومعلنة تتضمن آليات واضحة لكيفية معالجة ملف رواتب الموظفين كل الموظفين من كانوا قبل عام 2007 ومن دخلوا الخدمة بعد ذلك التاريخ وحتى اليوم، لكنها أسرعت إلى العودة من حيث أتت، قبل أن يمر أربع وعشرون ساعة على دخولها من معبر بيت حانون. يعلم من حضروا من الضفة إلى غزة يوم الأحد، بأنهم غير مُرحّب بهم، ذلك أن الرسائل التي استبقت حضورهم كانت غاية في الوضوح. ثلاثة تفجيرات، أحدها بالقرب من مقر الحكومة المؤقت، لا تستطيع حركة حماس أن تنكر مسؤوليتها عن القيام بها، كانت تقول للقادمين من الضفة، إنكم لن تجدوا ترحيباً، ولا تسهيلاً للعمل الذي أنتم قادمون من أجل القيام به.
ثمة اعتراض قوي غير قابل للحوار، لكن هذا الاعتراض لم يكن مفهوماً للناس، ولا متفهماً من قبلهم، ولم يكلف أحد من حماس نفسه عناء شرح أسباب ومكامن هذا الاعتراض القوي.
تم إفشال الوفد الوزاري، وتم منعه من التحرك إلى المقرات، والبدء بتسجيل الموظفين وفق الآليات التي تم إقرارها. لا نريد أن نعتمد على التسريبات بشأن أسباب هذا الموقف من حركة حماس التي تكتفي بإصدار تصريحات تقول فيها إن الحكومة لم تلتزم بالتفاهمات التي أقرتها اللجنة المكلفة برئاسة نائب رئيس الوزراء الدكتور زياد أبو عمرو.
وبرأينا أن القصة تذهب إلى ما هو أبعد بكثير، إذ تتوارد الأخبار عن مصادر إسرائيلية وأجنبية، تفيد بإمكانية وقرب التوصل إلى اتفاق عبر وساطة أوروبية سبقتها وربما رافقتها وساطة قطرية، يقضي بهدنة طويلة مقابل تسهيلات من نوع رصيف بحري، وتخفيف الحصار تدريجياً، وربما يصل إلى موافقة إسرائيل على إصدار تصاريح عمل لعمال من القطاع. هذه ورقة قوية بيد حماس، ومخيفة للسلطة وحركة فتح، نظراً لأبعادها الاستراتيجية على كل الحالة الفلسطينية، مشروعاً وحقوقاً، ومؤسسات تمثيلية.
من الواضح أن حماس تستغل هذه الورقة جيداً للضغط على الطرف الآخر من المعادلة الفلسطينية، ولكي يضطر لتقديم تنازلات لا يرغب في تقديمها، أما الطرف الآخر فإنه يعتمد سياسة نزع الذرائع، وهو ما تصرّ الحكومة على القيام به رغم كل الاعتراضات والعقبات التي تضعها حماس في طريقها. ثمة مثابرة وإصرار بقرار من رأس السلطة، لأن تكرر الحكومة المحاولة وهو ما يفسر قرار رئيس الحكومة بالعودة القريبة إلى غزة لمعالجة ما يتعطل من الملفات وهو ملف الموظفين، ولكن على الكل أن ينتبه إلى ما قد يأتي لاحقاً في حال فشلت هذه المحاولات.
على أن التفجير الأقوى والذي ينطوي على أبعاد تتجاوز الخلاف الحمساوي مع الحكومة، ويذهب نحو المساس بمصالح الناس في قطاع غزة، ذلك التفجير، كان من فعل كتلة التغيير والإصلاح، التي أقرت تشريعاً بفرض ما يسمى بضريبة التكافل.
من حيث المبدأ، فإن إصدار مثل هذا التشريع، هو من صلاحيات المجلس التشريعي الذي لا تستطيع كتلة التغيير والإصلاح، أن تمضي وحدها كبديل عن المجلس المعطّل. ومن حيث المبدأ، أيضاً، معروف أن تطبيق هذا التشريع سيكون حصرياً على سكان قطاع غزة، الذين لا ينقصهم فقر وبطالة، وحصار ووجع، وجوع، وعطش وبرد وحر وقهر. مثل هذا التشريع لا يمكن إلاّ أن يستند إلى توافق وطني وشعبي، ذلك أنه يحمل على الناس أعباء ثقيلة، وعلى الفقراء تحديداً لأن من سيتكبد التكاليف، كما سمعنا من شرح أحدهم، ليس التجار وإنما المواطن.
وفي ظل الجهود الرامية لتفعيل دور الحكومة، وحضورها في قطاع غزة، إذ هي فعالة في الضفة والقدس، فإن إصدار مثل هذا التشريع كأنه يحمل رسالة مفادها أن الحكومة لن تستطيع السيطرة لا على ما يفرض من ضرائب، ولا على مردوداتها. في الواقع ثمة ضرائب كثيرة تتم جبايتها خارج القانون، ما يدعو للتساؤل حول الإصرار الواضح على عدم التخلي عن المعابر، وتسليمها للسلطة.