بين "كامبرج" و"كيمبرج" غير الذي بين قرية "اللبن" ومستوطنة "لبوناه "... إن لم تكن المستوطنة نواة أخرى لـ "لبونا " عليا؟!. إذ يُحكى أن فرنسياً سئل في مطار هيثرو (يوم كان الأوروبي يُسأل على الحدود بين بلد أوروبي وآخر) عن وجهته، فقال: كامبرج. فسئل: هل حقاً ستذهب إلى كيمبرج فأجاب: بالطبع إلى كامبرج. هذا الاضطهاد اللغوي، أو الاستعلائية الإنكليزية، ليست بلا جواب فرنسي، لأن الإنكليزي يلفظ "رافقتكم السلامة: Bon Voyage" لفظاً إنكليزياً لمصطلح فرنسي، فيشدد على لفظ حرف النون الذي يكاد يهمله الفرنسيون ويكسر لفظ "فوياج" إلى "فويدج". أسدود أو أشدود؟ بيتين أو "بيت إيل"؟ تقوع أو"تكواع".. أو حتى السموأل بن عادياء أو شموئيل، أو صموئيل، هنا.. تتعلق المسألة باللفظ. لكن، تتعلق، أحياناً، بأسوأ النوايا، عندما يتم استبدال تام لاسم موقع قديم، مثلما فعل الإسرائيليون في إطلاق اسم "الهاغاناه " على شارع يتكئ على أسوار عكا القديمة. عندما زرت عكا، للمرة الأولى، قبل شهرين، كتبتُ، أيضاً عن صاحب "غاليري أمجاد العرب" الذي يطرق على النحاس قصة عكا منذ ما قبل ظاهر العمر الزيداني، حتى عودة م.ت.ف. ما كنتُ أعلم أن الفنان العكاوي جبر أبو حامد، سيَعتبُ عليَّ إسقاطي اسمه واسم زوجته آمال، لكن مناضلاً فصائلياً كبيراً، من عكا، ويمتّ بصلة قربى للفنان أبو حامد، "فكّس" له العمود المعنون "طرقة طرقة على النحاس". آن لي، أن أطرق طرقة كبيرة على ناقوس من نحاس (أو برونز ليكون الصدى أعمق) لأن ولداً على دراجته حيّانا، ونحن نستقل سيارة ذات لوحة تسجيل فلسطينية رسمية (حمراء) بالهتاف: "فلسطين عربيّة؛ عربيّة ميّة في الميّة".. وأين؟ في "شارع هاغاناه " في عكا العتيقة. يفسّر هذا الاغتصاب الإسرائيلي للمكان، بتفاصيله، حملة جديدة أطلقها نشطاء فلسطينيون في إسرائيل، تهدف إلى استعادة الأسماء الأصلية لشوارع المدن المختلفة. إذ ما هو المعنى من إطلاق اسم "طريق السلام" (ديريخ هشالوم) على شارع رئيسي يبدأ من تل أبيب الى القدس فعمان، بدلاً من إطلاقه - مثلاً - على شارع يلتفّ على أقدام قلعة عكا، إن لم يكن استعادة الاسم الأصلي القديم؟ كما هو معروف، حمل البيض إلى أميركا حنينهم إلى مواقعهم ومرابعهم القديمة، وأضافوا إليها كلمة "جديدة" مثل : نيويورك، نيوجيرسي. غير أن الإسرائيليين المستوطنين يصادرون، أيضاً اسم المكان، مع تحريف لفظه، كأنهم يمدّون لنا ألسنتهم الاستفزازية بغرض (الملاوقة).. ليس إلاّ. صحيح أن "الأرض تورّث كاللغة" لكن أولاد العمّ هؤلاء يقومون، أيضاً، بسلب اسم المكان، إضافة إلى قلب هويته، وتحوير طابعه. بعض الأمور تعود إلى اللغة وقواعد لفظها، وبعضها يعود إلى العقلية الآثمة، وبعضها الثالث إلى العناد (مثل أن شكيم اسم عربي أصيل لنابلس، لأنها مشكومة بين جبلين، ولو أننا نصر على نابلس (نيابوليس - المدينة الجديدة)، أو نصر على "القدس" بدلاً من "أور سالم". أحياناً، تفسّر العبرية كيف كانت العربية القديمة، مثلاً: الدخان (دخان السجائر) يسمونه "عشان" أي من العشي، والضباب، والدخان. مثلاً آخر: مضخة محطة البنزين يسمونها "مشيباه " أي "مشأبة " أي شأبوب وشآبيب.. الرحمة أو اللعنة! مع كل ذلك، هذا لا يبرّر إطلاق اسم "الهاغاناه" على الشارع الذي توجد به دكانة جبر وآمال المسماة "أمجاد العرب" وهذا يفسّر أنّ ولداً عكّياً في العاشرة هتف في الشارع : فلسطين عربيّة. الإسرائيليون ما زالوا بعيدين عن روح المصالحة مع المكان، وعن مصالحة إنسان المكان، لذلك يتصايحون من مفردة "النكبة " التي جعلت كفر برعم "كفار برام".. برعم.. يبرعم، و"النكبة " تبرعم أيضاً فالجذر حي، والشعب حي.. واسم المكان هو هو: فلسطين، حتى في "بالستاين بوست" التي صارت "جيروزاليم بوست". مررت، بالأمس، بشارع "عابر السامرة" إنه ليس "لسان أريئيل" ولكن إسفين أريئيل شارون الذي يكاد يقسم شمال الضفة قسمين. اللغة واللسان قد يكونان أسافين أحياناً، دون الحاجة إلى أسطح قرميدية في النهار.. وفي الليل أضواء صفراء. المسألة أعمق من الفارق اللفظي بين قرية اللبن وبين مرتفعات، أو أعالي القرية، التي صارت مستوطنة اسمها "معاليه لبوناه ".. ومعظم المستوطنات تتربص في "العلالي" محرزة "تفوُّقاً "نفسياً وضوئياً أصفر على قرانا .. بأنوارها البيضاء الناعسة.