وحدة الأنفاق الإسرائيلية: عميقاً تحت الأرض في مواجهة "حماس"

20152204203532 (1)
حجم الخط

كي نفهم حجم نجاح وحدة الأنفاق في الجيش الاسرائيلي ينبغي أن نفتح ملفات تقويمات الوضع التي كانت لدى جهاز الامن عشية حملة «الجرف الصامد» في بداية الصيف الماضي. 
في ملفات مصنفة كسرية توصف سيناريوهات مفزعة تتضمن تسلل خلايا «إرهابية» إلى بلدات غلاف غزة، اختطاف نساء وأطفال وقتلهم، تسلل «مخربين» إلى الاستحكامات، ذبح جنود، واختطاف جثث لمقاتلين – وكذا سيناريو كان فيه أنه كلما حاول مقاتلو الجيش الاسرائيلي الركض إلى نفق ما لإنقاذ الحياة كان بانتظارهم عبوات شديدة الانفجار وفوهات مفخخة أعدت لاستقبالهم، فقد ارادت منظمة «حماس» خلق صدى قتل مدنيين وجنود وانتاج فوضى بين الجمهور الاسرائيلي، وكادت تنجح. 
تركت حملة «الجرف الصامد» طعما مريرا لدى الجمهور الاسرائيلي في كل ما يتعلق بمواجهة الجيش للسلاح الاستراتيجي تحت الارضي الذي اعدته منظمة «الارهاب» الاسلامية في قطاع غزة، وهناك من يكرر المرة تلو الاخرى العبارة التي تلفظ بها بعض السياسيين ممن ادعوا ان الجيش لم يكن جاهزا ومستعدا لهذا التهديد، وان الاستخبارات فشلت. 
ولكن اذا ما دخلنا عميقا في تلك الملفات، سيتبين لنا ان معالجة الجيش في كل ما يتعلق بتهديد الانفاق كانت نجاحا كبيرا. 
«حقيقة أنه على مدى الخمسين يوما من القتال لم تتمكن حماس من ان تمس بأي مدني من خلال انفاق الارهاب تثبت بما لا يرتقي اليه الشك أنه يوجد مقاتلون في نهاية الفوهات عرفوا جيدا ما الذي سيحصل»، كما يدعي مسؤول كبير في قيادة المنطقة الجنوبية. 
ويقال على الفور – في الجيش الاسرائيلي قالوا غير مرة ان التهديد تحت الارضي معروف منذ سنوات طويلة. قادته لم يدعوا ابدا بأن لديهم قدرات للعثور على الانفاق، واليوم ايضا لا يدعون ذلك. 
كما أن سلم الاولويات بالنسبة للاستخبارات فحص وحصل على فصل محترم في كتاب استخلاص الدروس لحملة «الجرف الصامد»، ولكن السطر الاخير هو أن «حماس» لم تنجح في أن تستخدم منظومة انفاقها لتحقيق نتائج. 
وباستثناء حدث الفيلبوكس، يمكن بالتأكيد القول ان عشر سنوات من الحفر تحت الارض فشلت فشلا ذريعا. فداخل الانفاق أحصيت جثث مئات «المخربين» القتلى، ودمرت بنى تحتية استثمر فيها عشرات ملايين الشواكل.
واليوم، بعد تسعة اشهر من «الجرف الصامد» يمكن القول ان منظومة معالجة الجيش الاسرائيلي لكل ما يتعلق بانفاق «حماس» توجد في مكان آخر تماما.

مع سيارات صغيرة وكلاب
«فرضية العمل هي أن حماس تواصل حفر الانفاق»، يشرح الرائد جلعاد مزور، ضابط الهندسة في اللواء الشمالي في جبهة غزة. 
«نحن نتابع كمية ما يحفرون، اين يحفرون، والى اين تصل حفرياتهم. ونحن ننشغل باستخدام وسائل تكنولوجية واستخبارية لجمع المعلومات. ونحن «في هذا» يوميا وعلى نحو متواصل. لا ننتظر الحرب. نحن نفهم بأنه في الحرب القادمة سيتعين علينا أن نكون جيدين مثلما في الحرب السابقة، مع إضافة التحسن حتى في استخدام المعلومات التي لدينا اليوم من الميدان والتقنيات والمناورات القتالية وكذا الوسائل نفسها التي تحت تصرفنا. 
في واقع الامر، في كل مهامنا في الوضع العادي والتي تتضمن العثور على الانفاق والتدريبات نفهم بأنه في الحرب القادمة علينا أن نكون أقوى – سواء بقدرتنا على العثور على الانفاق أم بقدرة المعالجة المادية للنفق وقدرة التحقيق فيه وبالطبع القدرة على تدميره». 
منذ سنوات عديدة يحاول الجيش الاسرائيلي تطوير «قبة حديدية للانفاق» – طريقة أو استخدام لوسائل يمكن من خلالها معرفة اين يمر النفق، اين يبدأ والى اين يؤدي. 
والطريق الى تلك المنظومة لا يزال بعيدا، وحتى اليوم نجحنا في ان نطور الاساليب اساسا، ولكن مع اجهزة اقل للعثور على الانفاق. فالتمشيطات للعثور على الانفاق تنفذها قبل كل شيء قوى بشرية خبيرة وبوسائل تكنولوجية تتضمن سيارات صغيرة تدار بأجهزة التحكم من بعيد وتحمل الكاميرات، في بعض الحالات يرسل ايضا الكلاب، والمعلومات التي تخرج من النفق تعلم القوة بمساره، وبالاساس بما يوجد فيه.
أحد الاسئلة المشوقة التي تطرح حول حفر النفق هو كيف تعرف «حماس» الى أين تحفره، وقد أفادت التمشيطات وما تعلمته الوحدات بأن المنظمة الفلسطينية درجت على تنفيذ الحفريات – وبين الحين والآخر كان رجال الانفاق يخرقون ثقبا الى الاعلى، يخرجون انبوبا يحمل مرآة صغيرة، نوعا من البريسكوب الآلي، يشخصون المكان – وحسب ما يرون كانوا يختارون مواصلة المسار. كل نقطة كهذه كانت «حماس» تحددها بشكل واضح. في تلك المواقع عثر على وسائل قتالية ومواد بناء، وكذا طعام جاف وماء اتاح لـ «مخربي حماس» البقاء في النفق لفترات زمنية طويلة، بل واحيانا وصلت هذه الفترات الى أسابيع متواصلة. 
ومن الجهة الاخرى، فان كبار القادة وصغارهم في الجيش الاسرائيلي، يشعرون بطعم مرير في كل ما يتعلق بالاحساس السائد لدى قسم من الجمهور وكأن قيادة المنطقة الجنوبية فوجئت بالانفاق وبمعالجتها. وبرأيهم، فان هذا الاحساس مخطئ، لان انجاز مقاتلي الانفاق – والكثيرون منهم من خريجي الهندسة القتالية – هو انجاز هائل ولا يمكن استيعابه. فالجيش ليس فقط عثر على الانفاق ودمرها، بل نجح بالتوازي في أن يطور اسلوبا في معالجتها، يتضمن دراسة تفاصيل التفاصيل في المسار. وهم يروون عن الضرر الكبير الذي الحقوه بمشروع الانفاق الحمساوي. ويمكن لنا ان نفهم بأن الجيش الاسرائيلي استخدم طريقة لم يدمر فيها النفق فقط، بل ان المادة المتفجرة والاساليب التي استخدمت ألحقت ضررا بحيث لم يعد ممكنا الحفر في ذات المكان ابدا. 
احد استنتاجات حملة «الجرف الصامد» في الصيف الاخير هو الفهم بأنه توجد حاجة الى تقوية سرية العتاد الآلي الهندسي، كما يكشف الرائد مزور النقاب فيقول: «لقد وجد هذا تعبيره في جانبين – الاول يتعلق بالحيازة والتسليح، وبالطبع الثاني هو القوة المختصة لمعالجة مسألة الانفاق. فمعظم أعمال العثور هي اعمال جسدية تتعلق بالوصول إلى النفق. وفي النهاية نصل إلى النقطة حسب معلومات استخبارية أو حاجة تحليل الميدان وفهم التهديد الذي يتعين علينا الدخول إلى رأس العدو والتفكير مثله. فمثلا الى اين كنت سأحفر لو كنت أنا العدو. هذا الفهم يمكنه أيضا ان يكون حسب هذه الوسيلة التكنولوجية او تلك التي لا يمكن الدخول في تفاصيلها. 
توجد اساليب – ومعها نصل إلى النقطة السليمة، نحفر ونقدح ونعثر على النفق. فكر في انك تلاحظ بالعين سلوكا شاذا على وجه الارض، وبناء على ذلك نصل».

مبان مفخخة أيضا
يعترف مسؤولون كبار في الجيش الاسرائيلي بأنه استغرق نحو الشهرين بعد «الجرف الصامد» لمعالجة تلك الانفاق التي عثر عليها، بشكل اعمق. وقد جند للمهمة كبار المهندسين وكبار المسؤولين في سلاح الهندسة ونفذت تجارب عديدة على «ذيول» الانفاق التي عولجت في «الجرف الصامد». وخلافا للرأي السائد لدى الجمهور الاسرائيلي، فان الجيش لم يصف فقط التهديد تحت الأرضية بل نجح ايضا في الحاق ضرر كبير بشبكة بناء الانفاق المستقبلية في الجانب الغزي. 
ويشعر القادة جيدا بنقص التقدير من الجمهور ويفهمون بأن هذا هو اساسا نقص في المعرفة وبحقيقة أن موضوع الانفاق يوجد في سلم اولويات اعلى من حيث السرية الامنية – بمعنى أن ما يخفى فيه هو الاعظم مما يكشف عنه. 
وهم يروون عن استخلاص دروس جدية جدا في أعقاب «الجرف الصامد» وكذا عن غير قليل من التكنولوجيات التي «نضجت» منذئذ ولكن معظمها سري للعثور على الانفاق ومعالجتها. 
واضافة لذلك، توجد خطة واسعة جدا لدى الذراع البرية تقدم جوابا على التزود بتكنولوجيات وتقنيات لمواجهة تهديد الانفاق. 
وجند في الجيش قادة كبار من سلاح الهندسة لكتابة عقيدة للعثور على الانفاق ومعالجتها، ولا يزال يواصلون العودة المرة تلو الاخرى الى قادة الالوية والكتائب في حملة «الجرف الصامد» لمراجعة السبل التي جيء بها للتصدي للانفاق. 
ولهذا الغرض شكل الجيش قسمين للانفاق في الجبهة الشمالية والجنوبية من القطاع، كما أن وحدة يهلوم ستضاعف ثلاثة اضعاف قوتها لمواجهة التهديد تحت الارضي. 
ويروي الرائد مزور فيقول ان وحدة الانفاق لا تعرف فقط كيف تعطي جوابا على انفاق «الارهاب» بل ايضا الجواب لبناء وهدم المباني، فتح المحاور، بل اسقاط مبان مفخخة. وهؤلاء مقاتلون بكل معنى الكلمة يتواجدون في معظم الحالات في رأس الحربة مع آليات ثقيلة ويقدمون الجواب الاول للتصدي للعبوات قبل قوة المشاة التي تنفذ المهام العملياتية. وبسبب الحاجة التي طرحت في قيادة الجنوب لمعالجة الانفاق تقرر تشكيل سرية من القوة المختصة التي تعرف كيف تعالج الانفاق. 
ولكن أيضا ان تتصدى لمهام قديمة اخرى. عليهم ان يجيبوا عن كل الامور وان يكونوا ذوي اخلاق عالية جدا مع قدرة على قراءة الميدان بشكل استثنائي وقدرة على تغيير وجه الميدان. 
سرايانا هذه تعيش وتتنفس جبهة غزة 24 ساعة في سبعة ايام في الاسبوع، 365 يوما في السنة، وفي الحرب القادمة ستكون هذه هي القوة الاولى التي ستصل لمعالجة هذا التهديد.

عن «معاريف»