عن: الواشنطن بوست
دينيس روس، مستشار في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وكان المساعد الخاص للرئيس أوباما في الفترة ما بين 2009 ولغاية 2011. وهو مؤلف كتاب "محكومون بالنجاح: العلاقات الأميركية – الإسرائيلية من ترومان الى أوباما."
كغيره من الكثيرين من أسلافه، يطمح دونالد ترامب الى صنع السلام في الشرق الأوسط، حيث صرح مؤخرا: "أحب أن أكون الشخص الذي يصنع السلام مع إسرائيل والفلسطينيين." وأضاف: "لدي سبب للاعتقاد بأن بمقدوري القيام بذلك." فمن الواضح أن عملية جلب السلام إلى الأرض المقدسة، اجتذبت الرؤساء الأميركيين.
وحتى مع تدهور وضعه الصحي، اختار فرانكلين د. روزفولت لقاء الملك السعودي عبد العزيز ابن سعود في مصر عقب مؤتمر يالطا، لأنه اعتقد بأنه سيتمكن من إقناعه "بمنح جزء من فلسطين" لليهود "بدون إلحاق الأذى بالمصالح العربية بأي طريقة." أما دوايت إيزنهاور، ففي إطار القانون المسمى "مشروع غاما"، قام بتوظيف روبرت أندرسون للعمل سرياً مع دافيد بن غوريون وجمال عبد الناصر للتوصل للسلام، لكنه أصيب بخيبة أمل شديدة عندما أخفق. أما ريتشارد نيكسون، الذي كان يعاني من تضخم الشرايين، فقد سافر إلى مصر وإسرائيل وسوريا في الأيام الأخيرة من رئاسته، حيث اعتقد بأن بإمكانه بناء زخم حقيقي للسلام. هذا في حين انهمكت رئاسة جيمي كارتر، بصنع السلام العربي الإسرائيلي. وكما قال لاحقا، "شغلت مسألة الشرق الأوسط ذهني." والخطة الوحيدة التي تحمل اسم رئيسنا الأربعين كانت خطة ريغان لسلام الشرق الأوسط، والتي طرحها رونالد ريغان في 1 أيلول 1982.
وكوني كنت مبعوث بيل كلينتون للشرق الأوسط، رأيت مباشرة كيف شكل السلام العربي الإسرائيلي مهمته. وقاده ذلك الى استقبال ياسر عرفات وايهود باراك في كامب ديفيد في صيف 2000، وبعد 5 أشهر طرح كلينتون محدداته لحل النزاع. أما جورج بوش فقد تعاطى معه متأخرا ، لكنه استضاف مؤتمر السلام في أنابوليس. أما باراك أوباما فقد جعل السلام الإسرائيلي الفلسطيني أولويته منذ بداية رئاسته، لكنه لاحقا ندب فشل وزير خارجيته جون ف. كيري في التوصل لصفقة سلام بعد جهود مكثفة استمرت تسعة أشهر وانتهت في ربيع 2014.
ومن الناحية التاريخية، انجذب الرؤساء لصنع السلام لأسباب موضوعية وذاتية. ومن الناحية الموضوعية، اعتقد معظمهم مخطئين بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مصدر جميع النزاعات الإقليمية ما أثار الجدل بحله. ومن الناحية الذاتية، يدور شيء أعمق، وهو الإفتنان بأن يكون هو الذي يجلب السلام الى المنطقة التي تعتبر مهد الحضارات والأديان السماوية الثلاث. فصراع الأرض المقدسة اجتذب دائما اهتمام العالم ما انسحب على الرؤساء الأميركيين. كما أن عسر الصراع على الحل شكل مصدرا للجذب. ومرة أخرى، انظروا الى وصف ترامب له "الإتفاق النهائي."
فهل يمكن لإدارة ترامب النجاح حيثما أخفق الآخرون؟ لقد فاجأ ترامب العالم بانتخابه. وإذا أراد مفاجأة العالم في صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، يحتاج إلى الاحتفاظ في ذهنه الخطوط التوجيهية التالية:
* كن مستعدا للتمسك بالدبلوماسية حتى وإن عنى ذلك إحراز تقدم تدريجي. ففي غياب الدبلوماسية، عادة ما يملأ العنف الفجوة ويعمق انعدام الإيمان بإمكانية حل النزاع. فالمقاربات التي تطالب بالكل أو لا شيء لا تؤدي الى نتيجة بالتأكيد.
* التحقق بما هو ممكن خاص، واهدف الى التوصل لشيء ملموس. والأكثر أهمية، لا تطلق مبادرات كبيرة قبل المعرفة بأنها قد تنجح، مع ما هو موجود من مستوى انعدام الإيمان بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فالهدف الأكثر أهمية قد يتمثل باستعادة الإحساس بالإمكانية.
* وهكذا، يجب على الجهود الأولية أن تصمم لجعل الطرفين يتعاطيان مع شكوك الآخر والإظهار بأن التغيير ممكن. فعلى سبيل المثال، يمكن للإسرائيليين التعاطي مع الشكوك الفلسطينية من خلال الإعلان بأنه لن تكون سيادة إسرائيلية شرقي الجدار الأمني، وبأن إسرائيل لن تبني خارج الكتل الإستيطانية. وبدورها، يمكن للسلطة الفلسطينية القيام بشيء مقابل من خلال الإقرار بأن هناك حركتان قوميتان تطالبان بدولتين لشعبين، من خلال إنهاء جهودها في نزع الشرعية عن إسرائيل في جميع المحافل الدولية.
* تركيز صنع السلام لا ينحصر فقط من أعلى لأسفل وإنما يشمل أيضا الجهود من الأسفل للأعلى، وتحسين الإقتصاد الفلسطيني والبنية التحتية والبناء المؤسساتي، حيث أن ذلك من مصلحة الطرفين ويمكنه تغيير العزلة العميقة لجمهور الشعب الفلسطيني. علما، أنه بذل القليل في مجال بناء الدولة ودبلوماسية السلام من أسفل لأعلى.
* إعادة النظر بمقاربة ثنائية صارمة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. فالفلسطينيون بحالة ضعف شديد ومنقسمين جدا حتى للمقدرة على الوصول الى طاولة المفاوضات، فيما الحكومة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي مقتنعون جدا بأنهم لن يحصلوا على شيء ذي قيمة مقابل التنازلات للفلسطينيين، وعليه لن يقدموا أيا منها. إذا اختبر بشكل خاص، فيما إذا كانت دولة عربية ستقوم بتغطية المفاوضات. ومن السخرية، أن الطرفين بحاجة للعرب، حيث أن الفلسطينيين بحاجة الى تغطية حتى للمفاوضات، ناهيكم عن التنازل تقريبا عن أي شيء، بينما يعتقد الإسرائيليون بأن العرب فقط يمكنهم التعويض عن التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين.
* الاعتراف بأن المجازفة الإسرائيلية الفلسطينية العربية بالسلام قد تتأثر بمدى مصداقية الولايات المتحدة في مواجهة التحديات من إيران من جهة، والاسلاميين السنة من الجهة الأخرى. فلا أحد يريد أن يعري نفسه إذا لم يشعر بالأمان والثقة بالولايات المتحدة؟
وأخيرا، تتطلب عملية مصالحة الأمن الإسرائيلي مع السيادة الفلسطينية، مقاربات جديدة، دور دولة عربية في تلبية الإحتياجات الأمنية الفلسطينية ومعيار يستند على الأداء لتحديد الجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الإيجار للسماح بالتواجد الإسرائيلي والفلسطيني كل في بلد الآخر انسجاما مع الاختصاص السيادي لكل منهما، مما قد يشكل المفاتيح للنجاح.