أكدت حركة "فتح"، بعد انتهاء أعمال مؤتمرها السابع، شعارها، الذي يتسم بقليل من "الفوبيا"، وهو شعار القرار الوطني المستقل، وعززت الحركة من وحدتها، كذلك عزز رئيس الحركة بالتحديد من مكانته كقائد عام، بعد خروج كل "الكبار" في السن والخبرة والتجربة، والدفع بقادة جدد في اللجنة المركزية والمجلس الثوري، مما لا يترك بعد ذلك عذراً لأي عجز محتمل أو حتى عدم قدرة على الاستمرار بالقيام بالدور القيادي للحركة على الصعيد الوطني، أو الجماهيري.
كذلك أظهرت قدرة "فتح" على عقد المؤتمر بسرعة قياسية، وقدرتها على حشد كل هذه الوفود العربية والدولية للمشاركة في أعماله، قدرة القيادة الفلسطينية على عقد المجلس الوطني في أي وقت، وكذلك قدرتها على إجراء الانتخابات العامة، سواء لـ م.ت.ف أو للسلطة ولرئاسة السلطة، وليس فقط قدرتها على إجراء انتخابات المجالس المحلية، البلدية والقروية.
ولعل تأكيد البيان الختامي، الذي قرأه الناطق باسم الحركة وأعلن فيه انتهاء أعمال المؤتمر، ضرورة عقد المجلس الوطني خلال ثلاثة أشهر بالتحديد، ما يعني أن القيادة الفلسطينية مهتمة فعلياً بترتيب الأوضاع الفلسطينية الداخلية، في محاولة منها لرفع اللياقة الكفاحية للشعب الفلسطيني لمواجهة استحقاقات العام المقبل، الذي بات على الأبواب، العام 2017.
فبعد انتخابات "فتح" الداخلية، هناك ترتيبات "حماس" الداخلية، المنتظر أن ينتج عنها تغيير فعال، لكنه غير خطر أو لن يؤدي إلى انعطافة حادة في سياسة الحركة، تغيير في الرأس القيادي لها، فقد صدقت توقعات المراقبين، الذين قالوا: إن خروج الأخ إسماعيل هينة من غزة قبل بضعة أشهر سيكون نهائياً، وإن الرجل سيحط برحاله في الخارج، لتهيئته لاستلام المنصب الأول في "حماس"، أي رئيس المكتب السياسي خلفاً لخالد مشعل، ويبدو أن منعرج المصالحة بين "فتح" و"حماس" قد لحظ الترتيبات الداخلية في كلا الحركتين، بحيث أخذها بعين الاعتبار، ورسم بالتالي خطوط المصالحة بينهما على أساس الشراكة في الحكم، من خلال تقاسم مناصب السلطة والمنظمة معاً.
التقديرات المرجحة والمتزامنة، مع تحول في اللهجة، واللغة التي صارت أخوية جداً بين قادة الحركتين، والتي ظهرت بكل وضوح في كلمة الأخ خالد مشعل بمؤتمر "فتح" السابع، ومن خلال خطاب الرئيس محمود عباس وما تضمنه من حديث عن "حماس" والمصالحة، كلها تشير إلى أن انعقاد المجلس الوطني سيكون مدخلاً للمصالحة، وربما يكون قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة، حتى تضمن "حماس" شراكة "فتح" في السلطة قبل أن ترفع يدها عن غزة، كذلك تشير إلى أن تقاسم السلطة بين الحركتين سيسبق إجراء أي انتخابات، أي أنه لم يعد الاحتكام للانتخابات شرطاً أو مدخلاً لإنهاء الانقسام، كما كانت تقول "فتح"، بل الاتفاق المسبق على التقاسم والشراكة في الرؤوس القيادية، بما يشكل "ثنائياً" بينهما، أي الذهاب لانتخابات معروفة نتائجها سلفاً، وبدلاً من أن تقاسم سلطة إحدى الحركتين الفصائل الأخرى، تتقاسم الحركتان السلطة وحدهما.
في التفاصيل، يبدو أنه سيتم التوازن بينهما، فمثلاً يكون رئيس م.ت.ف من "حماس"، فيما يكون رئيس السلطة من "فتح"، ويكون رئيس المجلس الوطني من "فتح" ورئيس المجلس التشريعي من "حماس"، وهكذا.
المهم هو أن ذلك الترتيب يجري في ظل رعاية تركية / قطرية، أي أحد المحاور الإقليمية، ما يعني أن محاور إقليمية أخرى لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذا الترتيب، إلا إذا ضمنت ألا يؤثر ذلك الترتيب على مصالحها مباشرة، لكن ضمانة أن ينجح الأمر تتمثل في أنه ما من أحد يمكنه أن يعارض المصالحة وإنهاء الانقسام، خاصة بعد انتخابات داخلية للحركتين، أي بعد أن تظهر المصالحة على هذا الشكل بأنها تنفيذ لإرادة قاعدة الحركتين التي تمثل أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني، وحين تجيء من خلال قيادة الحركتين نفسيهما، ما يرجح طي مبادرة الجهاد الإسلامي، حيث تبقى المجموعات العسكرية في غزة، هي التحدي الأول والأخير لأي أتفاق مصالحة.
أما إسرائيل، والتي طالما دفعت باتجاه أن يحدث ومن ثم أن يبقى الانقسام، فإنها قد تنشغل بمتابعة قضايا فساد بدأت تطل برأسها في وجه بنيامين نتنياهو، كذلك فإن رعاية تركيا وقطر صديقتي إسرائيل لمصالحة قادمة، تعني ضمان أن تنطوي المصالحة هكذا على احتواء وتطويع لـ"حماس" وليس على تظهير لمقاومتها المسلحة!
أهم ما في الأمر هو أن هناك شهراً ونصف الشهر تقريباً، قبل استلام الرئيس الجمهوري اليميني المتشدد الأميركي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، ولم يبق أمام الفلسطينيين في عام يبدو أنه حاسم أو أنه سيقترب من حسم كثير من ملفات المنطقة، فبعد الإجهاز على "داعش"، وبعد تقدم الجيش السوري في حلب واستعادته 50% من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، كذلك بعد عودة نظام عبد ربه منصور هادي لعدن، وتراجع الحوثي وصالح في أكثر من جبهة باليمن، وبعد انطلاق الاستيطان من عقاله، سيكون العام 2017 عام الفرصة الأخيرة لحل الدولتين، وربما آخر ما يمكن أن تقدمه "فتح" و"حماس" للشعب الفلسطيني، اللتان ربما تجعلان من شعار: "العام 2017 عام إنهاء الاحتلال" مدخلاً لاتفاقهما على المصالحة والشراكة السياسية، قبل أن تنطوي صفحتاهما معاً، في حال ظلتا تبقيان على الانقسام!
عشرُ ساعاتٍ زلزلت إسرائيل، وهزّت الإقليم والعالم
09 أكتوبر 2023