ترامب يبني "خلية نحل" من الجنرالات!

20160612081805
حجم الخط

مع تعيين جنرال المارينز المتقاعد، جيمس ماتيس، وزيرا للدفاع الأميركي، استُكملت عملية بناء "خلية النحل" الأمنية في إدارة الرئيس القادم، دونالد ترامب. وقد سبق ذلك تعيين شخصية عسكرية اخرى، رئيس وكالة الاستخبارات للبنتاغون، مايك فلين، في منصب مستشار الرئيس للامن القومي، وعضو في مجلس الشيوخ من كنزاس، مايكل بومبيو في منصب رئيس الـ"سي.آي.ايه".
إن اختيار ماتيس الصلب والفاعل، الذي خلفه 44 سنة في الجيش والكثير من الانجازات (بما في ذلك في ارض المعركة في العراق وافغانستان)، هو بمثابة شذوذ بارز عن تقليد التعيينات لهذا المنصب المهم. وباستثناء تعيين الجنرال جورج مارشل لهذا المنصب في ايلول 1950، فان معظم وزراء الدفاع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية جاؤوا من "البنتاغون" بعد سيرة مهنية ناجحة في قطاع الاعمال أو مجلس الشيوخ.
في مجال الادارة الرفيعة (كما في حالة روبرت ماكنمارا ودونالد رامسفيلد) أو في عمليات التشريع من تل الكابتول (كما في حالة ملفين لارد وريتشارد تشيني وتشاك هيغل)، وهذا الامر يعتبر ذخرا مهماً بالنسبة للمتنافسين على المنصب أكثر من كونه محاولة قيادية لسنوات طويلة مملوءة بالانجازات.
خلافا لذلك، فان تعيين فلين لمنصب مستشار الامن القومي يعبر عن استمرار التوجه الذي تجذر في العقود الاخيرة. ورغم أن هذا المنصب وضع منذ البداية من قبل الرئيس جون كنيدي، وعلى مقاس مثقف له سمعة على أمل أن ينجح في وضع الاستراتيجية الأميركية في سياق أوسع وأطول، فقد تحول هذا المنصب مع مرور الوقت الى منصب رفيع بدون تميز. وبدل خريجي هارفارد، ماكجورج باندي وهنري كيسنجر وبروفيسور الاقتصاد السياسي من جامعة تكساس وولتر روستوف، وخريج جامعة كولوميا، زبغنيو بريجنسكي، سيطر فيما بعد الموظفون أو الضباط المتقاعدون على هذا المنصب.
في المرحلة القادمة للرئيس، الذي لا يملك الرؤيا العميقة والاطار الواسع في مجال الاستراتيجيا الشامل، كان يفضل اعادة المثقف من نوع كيسنجر، الذي يكون قادرا على تقريب اللبنات المتباعدة في الموقف الامني للرئيس الـ 45. ولكن ترامب فضل شخصية مقربة منه من ناحية رؤية التهديدات المركزية في الساحة الدولية، وفي مركزها ايران، وليس رجل الاكاديميا. وهكذا تم اختيار الجنرال اللامع فلين للمنصب، وهو يستمر في المساق المعروف والمتاح لرجال الجيش الرفيعين مثل برانت سكوكروفت وجوهان بويندكاستر وكولين باول وجيمس جونز، الذين مع الدبلوماسيين والبيروقراطيين ملؤوا هذا المنصب منذ تراجع قرن رجال الاكاديميا. ماتيس وفلين وبومبيو ينشئون خلية نحل أمنية متجانسة ومتحدة، حيث إن الأضلاع الثلاثة تتحد بالشعور العميق حول العداء لدخول ايران المتجدد الى أسرة الشعوب في أعقاب التوقيع على اتفاق فيينا.
في هذا السياق ايضا يمكن تفسير الاقوال الانتقادية لوزير الدفاع الجديد حول الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. لا يدور الحديث عن عداء متجذر لاسرائيل، بل عن مخاوف ماتيس من أي ازمة أو صراع اقليمي (بما في ذلك المشكلة الفلسطينية) الذي من شأنه حرف انتباه العالم العربي المعتدل عن مهمته الاساسية، التي هي المشاركة في الصراع الذي لا هوادة فيه ضد التطرف الاسلامي الايراني أو ضد "داعش" الذي هو الهدف الثاني في الصراع بالنسبة لهذه الثلاثية.
رغم حقيقة أننا نوجد أمام نخبة أمنية، اثنان منها لبسا الزي العسكري لفترة قصيرة، والتي تعكس موقفا صقوريا واضحا، لا يجب علينا الاستنتاج من ذلك أننا نوجد أمام مرحلة ستشمل التدخل العسكري المتزايد، بل العكس، ماتيس وفلين وبومبيو هم صقور جارحة، لكنهم اصحاب الهدف المحدد. لأن اسهامهم قد يجد تعبيره في مجال الردع دون استخدام السيوف التي يشحذونها. وفي نهاية المطاف، هم سيسعون الى التعبير عن القوة وتهديد الخصوم في الحقبة التي يمكن أن تنغلق فيها القوة العظمى الأميركية على نفسها أكثر فأكثر.