المعارضة السورية وسؤال المصير

thumb
حجم الخط
 
بات نزاع حلب قاب قوسين أو أدنى من مرحلة النهاية، في ظل تعزيز القوات الحكومية السورية قبضتها على ما يزيد على 35 بلدة في شرقي حلب، من بينها حلب القديمة، وتموقع المعارضة المعتدلة في جيوب تقع جنوب شرقي المدينة.
 
في الأسبوعين الماضيين تمكنت القوات الحكومية السورية مسنودة من الطيرانين الروسي والسوري، من السيطرة على حوالي 70% من شرق حلب، في الوقت الذي تضاءلت فيه المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة لتصل إلى أقل من 12 كيلومترا مربعا.
 
المعارضة التي رفضت إلقاء السلاح والخروج من شرق حلب ضمن ممرات آمنة في ظل هدنة متبادلة مؤقتة، باتت اليوم في وضع حرج مع الانتصارات التي حققتها القوات الحكومية السورية، الأمر الذي دفع المعارضة للقبول بهدنة لمدة أسبوع، تمكنها من إعادة صياغة وجودها على الأرض.
 
التغيير الدراماتيكي في موازين القوى العسكرية الذي بات يرجح لكفة القوات الحكومية السورية، يعود في الأساس للدعم الروسي السخي الذي تقدمه موسكو للنظام السوري، ليس على مستوى الوجود العسكري الروسي وتقديم أسلحة للنظام السوري فحسب، وإنما الدعم السياسي وتوفير مظلة آمنة تمكن القوات الحكومية السورية من المضي قدماً في استعادة السيطرة الكاملة على حلب.
 
ثم إنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار موضوع عودة العلاقات الروسية- التركية إلى مجراها الطبيعي، والتفكير الأردوغاني بالميل أكثر نحو موسكو بوتين، خصوصاً بعد توتر علاقات أنقرة مع دول الاتحاد الأوروبي، ومع الولايات المتحدة التي ألمحت أنقرة لضلوع الأولى في محاولة الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا منتصف تموز الماضي.
 
تركيا لم تعد تقدم ذلك الدعم الكبير للمعارضة المعتدلة، ويبدو أن الدول الغربية هي الأخرى تعتقد أن وجود الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة، بمثابة السياج الآمن الذي يمكنه منع تنامي التنظيمات الإرهابية إلى خارج التراب السوري.
 
حتى أن الولايات المتحدة تكثر من الضباب في موقفها مع المعارضة المعتدلة، فقد كانت متشجعة لدعمها بأسلحة خفيفة وتدريب مقاتليها، غير أنها اليوم لا تقدم هذا الدعم الكافي الذي تريده المعارضة من أجل تغيير موازين القوى على الأرض.
 
الإدارة الأميركية لم تقدم على إجراءات تفيد المعارضة المعتدلة، لا على المستوى العسكري ولا على المستوى السياسي، ويرجح أن الرئيس الجديد دونالد ترامب سيمضي قدما في تهميش دور المعارضة المعتدلة، الأمر الذي من شأنه أن يقلب قواعد اللعبة.
 
على أن القوات الحكومية السورية تدفع بقوة نحو إنهاء النزاع في حلب قبل وصول ترامب إلى سدة السلطة، مستفيدةً من الدعم الروسي خصوصاً في مجلس الأمن، ذلك أن موسكو اعترضت مع الصين على مشروع قرار يتيح تثبيت هدنة في حلب لمدة أسبوع.
 
أيضاً النظام السوري مستفيد من الموقف الأميركي الذي لا يبدي اهتماماً كبيراً للملف السوري، ولذلك فإن الأول رفض دعوات المعارضة المعتدلة للقبول بهدنة، وهو يصر على أن موافقته على أي هدنة كانت، ينبغي أن تشترط رحيل مقاتلي المعارضة المعتدلة عن حلب.
 
تريد القوات الحكومية السورية تحقيق انتصار في حلب بأي شكل كان، لأن ذلك سيعني بالنسبة لها أولاً التأكيد على وحدة الأراضي السورية، عكس التصريحات الغربية التي تحذر من تقسيم البلاد، وثانياً سيؤكد موضوع نهاية النزاع في حلب أن النظام السوري قادر على حماية شعبه من التهديدات والتنظيمات الإرهابية.
 
ثالثاً وهو الموضوع الأهم أن الانتصار في حلب سيعني ربما غياب مصطلح المعارضة المعتدلة في سورية، بمعنى قد لا تشكل تلك المعارضة أي تهديد للنظام السوري، لكن ستبقى هناك معارضة ناعمة لا تمتلك أسلحة غير سلاح الكلمة والرأي.
 
ثمة تحذيرات غربية من أن سورية قد تواجه التقسيم في إطار النزاع السوري، وموضوع التقسيم هذا طرح في أكثر من مناسبة وعلى لسان العديد من مسؤولين أوروبيين، غير أن آخر من تحدث عن هذا الموضوع هو وزير الخارجية الفرنسي.
 
وزير الخارجية الفرنسي حذر من احتمال تقسيم سورية إلى منطقتين، تعود الأولى للنظام السوري والثانية للتنظيمات الإرهابية بقيادة "داعش"، إلا أن موضوع التقسيم لم يعد أمراً وارداً للطرح في سورية، في ضوء المتغيرات الحاصلة في طبيعة النزاع.
 
الآن يجوز القول إن القوات الحكومية السورية مستمرة في بسط سيطرتها على مناطق متعددة في سورية، وحين تنتهي من المعارضة المعتدلة على اعتبار أن الأخيرة تشكل هاجساً في فلسفة التحرك السوري الرسمي، فإنها ستركز على التنظيمات الإرهابية.
 
لن يقبل النظام السوري بوجود معارضة لا معتدلة ولا متطرفة أيضاً، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وأوروبا تنظر إلى التنظيمات الإرهابية في سورية بعين الريبة والخوف، الأمر الذي يدفعها للسكوت عن وجود النظام السوري مقابل مسح التنظيمات الإرهابية.
 
ثم إن مشكلة اللاجئين السوريين مسألة مهمة بالنسبة للأوروبيين، وشخص مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تدرك أن تواصل النزاع السوري سيدفع بالمزيد من اللاجئين إلى الدول الأوروبية وفي القلب منها ألمانيا التي تعتبر وجهة مهمة للسوريين لكونها تعيش أجواءً اقتصادية مريحة قياساً عن غيرها من الدول الأوروبية.
 
يسود اعتقاد شديد أن أياماً قليلة تفصل بين سيطرة القوات الحكومية السورية على مدينة حلب والإحكام عليها بالكامل، وهذه السيطرة من شأنها بالتأكيد أن تفرض قواعد لعبة جديدة في المعادلة السورية، كما من شأنها أن تعزز من وجود النظام السوري في الحكم.
 
أما المعارضة المعتدلة إذا لم تتحصل على ذلك الدعم السريع والنوعي من حلفائها لإبقائها أقله عند حالة الصمود في مواجهة القوات الحكومية السورية، فإنها ستكون خارج اللعبة، في المستويين السياسي والعسكري، وبالتالي هي بحاجة إلى ظهر قوي يسندها إن لم يكن على المستوى العسكري فلنقل على المستوى السياسي من حيث تحديد شكل النظام السياسي في سورية ودورها فيه.
 
الأسبوع المقبل سيكون حاسماً بالنسبة للمعارضة المعتدلة، لأنه وفق التقديرات والتحليلات السياسية وفي إطار التحرك القوي والضاغط من قبل القوات الحكومية السورية للإحكام على باقي المناطق الجنوبية من شرق حلب، هذا الأسبوع سيشهد إما خروجاً للمعارضة عن جغرافية حلب ضمن هدنة مؤقتة، أو حسماً للنزاع العسكري في هذه المدينة.