إحياء المنظمة أم القضاء عليها‎؟

هاني المصري
حجم الخط

قررت حركة فتح في مؤتمرها السابع أن ينعقد المجلس الوطني خلال فترة ثلاثة أشهر، وهذا أفضل من التصريحات التي ترددت سابقًا عن عقده بعد شهر واحد على عقد المؤتمر. وعلى الرغم من أنّ مسألة بحجم المجلس الوطني لا يقررها فصيل مهما كبر، وحتى لو كان بحجم «فتح» التي قادت المنظمة منذ العام 1969 وحتى الآن، إلّا أن فترة الأشهر الثلاثة يمكن أن تكون كافية إذا كانت هناك قناعة وإرادة لعقد مجلس وطني قادر على النهوض بالمنظمة التي تعيش في العناية المشددة منذ إقامة السلطة.
ما حال دون تفعيل المنظمة منذ توقيع «اتفاق أوسلو» وحتى إعلان القاهرة في العام 2005، وبين إعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي بعد ذلك الإعلان الذي تم فيه تأكيد أهمية مشاركة «حماس» والجهاد الإسلامي في المنظمة؛ وجود وهم قاتل بأنّ اتفاق أوسلو و»أسلوب المفاوضات حياة وإلى الأبد» سيقود إلى إقامة دولة فلسطينية خلال فترة خمس سنوات، وها نحن نعيش بعد ثلاثة وعشرين عامًا على عقد هذا الاتفاق المشؤوم ونحن أبعد عن إنهاء الاحتلال بصورة أكبر مما كنّا عليه قبل عقده، ومع ذلك لا يزال هناك في الأوساط القيادية المتنفذة في المنظمة والسلطة و»فتح» من يعتقد بأن إستراتيجية السلام وخيار المفاوضات كما هو أو بعد تعديله هو الخيار الوحيد لتجسيد الدولة.
كان التصور المعشعش في رؤوس النخبة السياسية التي نظّرت لاتفاق أوسلو، أن هذا الاتفاق سيقود إلى دولة، وبالتالي لا حاجة لتفعيل المنظمة، بل تم الإبقاء عليها كهيكل عظمي فقط حتى توقّع الاتفاق النهائي باسم الشعب الفلسطيني الذي تمثله، وعندما لم تقم الدولة، وفشلت ما سميت عملية السلام فشلًا تامًا وبعد نجاح «حماس» في الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية 2006 تم تفعيل المنظمة بشكل جزئي ومحدود، وبعد الانقسام عادت الأمور بشكل إجمالي إلى ما كانت عليه.
حتى يكون المجلس الوطني القادم خطوة إلى الأمام وليس إلى الوراء ودق المسمار الأخير في نعش المنظمة، يجب أن يكون:
أولًا، مفتوحًا لمشاركة مختلف فصائل وفعاليات وتجمعات الشعب الفلسطيني التي تؤمن بالمشاركة السياسية، وحتى يتحقق ذلك يجب ألا يعقد تحت سطوة الاحتلال، فعقده في قاعة أحمد الشقيري في المقاطعة تعني تحكم الاحتلال بمن يشارك ولا يشارك فيه، حيث هناك فصائل مثل «حماس» و»الجهاد» ممنوعة من المشاركة بممثلين عن الخارج أو من غزة، كما أن هناك عددًا كبيرًا من أعضاء المجلس الوطني ممثلين لفصائل أخرى أو مستقلين ممنوعون أو لا يريدون دخول الوطن بتصريح من الاحتلال الإسرائيلي.
هناك رأي يستحق التوقف عنده، يقول بعدم وجود عاصمة عربية تقبل بعقد المجلس الوطني، خصوصًا في ظل توتر العلاقات بين الرئيس وعواصم الرباعية العربية، وهذا عامل مهم يقتضي السعي لتصحيح العلاقات وليس دفعها للتفاقم أكثر بعقد مجلس وطني من دون تنسيق مع العرب، خصوصًا القاهرة التي ساهمت مساهمة بارزة في تأسيس المنظمة أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فما يجري في فلسطين سيؤثر تأثيرًا مباشرًا سلبًا أو إيجابًا على البلدان العربية، وخاصة بلدان الطوق.
وإذا تعذر عقد المجلس الوطني في مصر أو الأردن أو الجزائر أو تونس أو المغرب يمكن عقد المجلس الوطني في قاعتين أو ثلاث: واحدة في رام الله، والأخرى في غزة، والثالثة في أي عاصمة عربية، عبر تقنية «الفيديو كونفرنس».
ثانيًا، هل الهدف من عقد المجلس الوطني تمديد وتجديد رئاسة وشرعية الرئيس محمود عباس كما هو واضح؟ فبعد أن حصل على المبايعة الفتحاوية بالتصفيق وليس بالتصويت يريد أن يحصل على مبايعة المجلس الوطني بنفس الطريقة.أم أن الهدف الضروري العمل لتحقيقه اعتبار عقد المجلس الوطني، الذي لم يعقد جلسة عادية منذ عشرين عامًا، محطة لاستنهاض المنظمة، بصورة تجعلها قولًا وفعلًا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب أن تقدم قيادة المنظمة كشف حساب عن الفترة الماضية ومساءلتها ومحاسبتها على الإخفاقات الكبرى التي أوصلتنا إلى الوضع الكارثي الذي نحن فيه.
في هذا السياق، على المجلس الوطني مراجعة التجربة الماضية، بما فيها تقديم تقرير مالي يوضح أين وكيف استخدمت أموال المنظمة، ولماذا انتهى الحال لأن تصبح موازنة المنظمة بندًا صغيرًا في موازنة السلطة؟ فلا بد من تقييم التجربة الماضية بما لها وعليها، واستخلاص الدروس والعبر، وبلورة رؤية شاملة للحاضر والمستقبل تنبثق عنها إستراتيجية سياسية ونضالية قادرة على إبقاء القضية حية، وعلى توفير مقومات الصمود والمقاومة للشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه، لإحباط المخططات والخيارات الإسرائيلية، وتمهيدًا للتقدم على طريق تحقيق الخيارات والبدائل الفلسطينية.
لا يمكن تحقيق هذه المهمات العظيمة بالاعتماد على أعضاء المجلس الوطني الحالي الذين توفي أكثر من ستين منهم، في حين أن معدل أعمار الأحياء 70 عامًا، فهناك حاجة ماسة لتجديد العضوية بشكل شامل من خلال ضم الفصائل التي لا تزال خارج المنظمة، ومن خلال اختيار ممثلين للفصائل والاتحادات الشعبية والكفاءات، بصورة تراعي أن يكونوا من الشباب والمرأة والشتات، ومن المستعدين لاعتماد مسار جديد قادر على مواجهة التحديات والمخاطر الجسيمة التي تهدد القضية الفلسطينية.
وحتى يتحقق ذلك، لا بد من عقد مجلس وطني توحيدي جديد، وهذا متعذر الآن لأن القيادة والقوى المتحكمة في المنظمة تقاوم التغيير والتجديد للحفاظ على وجودها ومراكزها ومصالحها، ولعدم وجود حركة أو حركات شعبية وسياسية جديدة قوية بما فيه الكفاية حتى تفرض إرادة الشعب الفلسطيني على القيادة الحالية، تمامًا مثلما فعلت فصائل الثورة الفلسطينية بقيادة الزعيم ياسر عرفات حين أطاحت بيحيى حمودة وقادت المنظمة بعد ردة الفعل الشعبية العربية الواسعة الرافضة لهزيمة الأنظمة العربية في حرب 67، وما أدت إليه من نهوض والتفاف واسع حول «فتح» وبقية فصائل الثورة الفلسطينية.
تأسيسًا على ما تقدم، فإن أفضل الممكنات وأقصى ما يمكن تحقيقه هو التجديد والاستمرارية معًا، وهذا يتحقق من خلال الجمع بين أفضل القديم أو أقله سوءًا أو المتعذر تغييره مع الجديد القادر على إحداث النهوض المطلوب، إضافة إلى إحباط أي محاولة لهندسة مؤسسات المنظمة على مقاس الرئيس ومجموعة أفراد أو على مقاس فصيل تحكم بها سابقًا أو يرغب بالتحكم بها لاحقًا، وهذا ممكن إذا تحرك الشعب والفصائل الأخرى، خصوصًا التي تسمي نفسها يسارية، مع الفعاليات والمؤسسات الوطنية لمنع تقزيم المنظمة أكثر بما يؤدي إلى القضاء على ما تبقى منها.
إن النجاح في عقد المجلس الوطني يتطلب أن يكون الهدف الأساسي منه بلورة برنامج سياسي جديد يستند إلى القواسم المشتركة، ويحقق الشراكة السياسية الحقيقية الكاملة والمصلحة الفلسطينية لا مصالح الأفراد أو الفصائل فقط، ولذلك يجب الإقلاع عن التركيز على الحصص وتكريس نظام المحاصصة الفصائلي، ووضع معايير موضوعية لاختيار الأعضاء الجدد لا وضع الأمر برمته بأيدي الفصائل، ما سيؤدي إلى مثل ما  حصل في عضوية مؤتمر «فتح»، ومثلما حصل في اختيار أعضاء المجلس الوطني طوال تاريخ المنظمة.
حتى الآن، لم نسمع أصوات معظم الفصائل من دعوة المجلس الوطني، وحتى التي أصدرت تصريحات كانت باسم قيادات وليس باسم لجنتها المركزية ومكتبها السياسي، ولا ضمن حملة شاملة تتضمن مختلف أشكال الضغط السياسي والجماهيري، بما يضمن عقد مجلس وطني قادر على تلبية احتياجات وأولويات الشعب الفلسطيني.