ماذا تبقى من مقومات الحل السياسي

أشرف العجرمي
حجم الخط

مع سن قانون التسويات للبؤر الاستيطانية الذي يمنح السلطات الإسرائيلية الحق في مصادرة الأراضي الخاصة لصالح المستوطنات مقابل تعويض أصحابها، ناهيكم عن الأراضي المصنفة أميرية أو التابعة للدولة في الأراضي المحتلة عام 1967، لم يعد هناك ما يمكن التفاوض عليه مع إسرائيل. فمضمون هذا القانون الذي مر في الكنيست بالقراءة الأولى، أن سلطات الاحتلال يمكنها أن تضم كل أراضي الضفة الغربية بدون أي إشكالية قانونية إسرائيلية. وصاحب المبادرة بسن هذا القانون هو وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت رئيس البيت اليهودي الذي لا يخفي رغبته في ضم كامل أراضي الضفة الغربية لصالح إسرائيل واعتبار أن الحل الأمثل هو دولة واحدة يكون فيها الفلسطينيون أقلية يتمتعون بحكم ذاتي باستثناء قطاع غزة الذي لا يمانع أن يكون هو الدولة الفلسطينية.
هذا التشريع يسقط أي دعوة يمكن أن يرفعها الفلسطينيون على مصادرة أراض تعود ملكيتها لمواطنين من سكان الضفة الغربية كما حصل في حالات عديدة أقرت المحكمة العليا إرجاع الأراضي لأصحابها، وآخرها أراض في مستوطنة عمونا التي كانت المبرر للسعي لسن قانون التسويات. فعندما يتاح لدولة الاحتلال أن تصادر الأراضي الخاصة التي يملك أصحابها مستندات تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي. وبالتالي كل شيء خاضع لقرارات الحكومة، فما بالنا هذه الحكومة هي أقصى اليمين المتطرف في إسرائيل ولا تتورع عن فعل أي شيء لدفع المشروع الاستيطاني، وهي ترفض مبدأ الانسحاب وحل الدولتين على أساس حدود عام 1967.
ليس هذا فحسب، بل هناك بحث يجري في الأوساط السياسية والأمنية وحتى البحثية الأكاديمية لمشروع جديد يهدف إلى إخراج القرى العربية وبعض الأحياء الفلسطينية خارج إطار مدينة القدس أي خارج الجدار وسحب بطاقات الهوية المقدسية منهم، والتخلص منهم ديمغرافياً واقتصادياً أي التوقف عن دفع مخصصات التأمين الوطني بما فيها البطالة والشيخوخة والتأمين الصحي، وبحسب أصحاب هذا المشروع، الذي يقوده الوزير السابق حاييم رامون تحت اسم "إنقاذ القدس اليهودية"، من المفروض أن يقل سكان القدس الفلسطينيين من 40% من مجموع السكان إلى 20%، وهكذا يجري الحفاظ على الطابع اليهودي لها هي عملياً ضمت لإسرائيل وفرضت السيادة الإسرائيلية عليها. وما يعني اليهود في القدس هو منطقة الحرم القدسي والبلدة القديمة والأحياء التي تحيط بالحوض المقدس، وهذا المشروع على درجة كبيرة من الخطورة لأنه يمنع أي شكل من أشكال التسوية في القدس ويجعلها مهودة بالكامل. وأخطر ما فيه أنه يحظى بدعم واسع داخل إسرائيل من مختلف الأطياف السياسية. وهو بحث أجري في مركز أبحاث الأمن القومي.
ويترافق هذا الموقف الإسرائيلي مع توقعات متداولة في وسائل الإعلام مفادها أن مستشاري الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يبحثون موضوع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وان الاستعدادات تجري لتنفيذ وعد ترامب لليهود ولإسرائيل. وإذا ما حصل هذا السيناريو تكون حلقات القضاء على فكرة التسوية السياسية قد اكتملت، وعلينا ألا ننتظر حتى يحصل المحظور ويكون الوقت قد تأخر في تغيير الواقع.
عملياً لم يعد يربط إسرائيل بمشروع التسوية السياسية أي شيء والعلاقة مع الفلسطينيين تنحصر فقط في بقاء وظيفة السلطة الأساسية في إدارة شؤون المواطنين وتحمل المسؤولية عنهم، والقيام بواجب الحفاظ على أمن إسرائيل. وتطبيق اتفاق باريس الاقتصادي، وهذا ما تبقى من اتفاق "أوسلو" فعلياً، وتتجاهل إسرائيل وتتناسى القيادة موضوع الانسحاب الإسرائيلي من الغالبية الساحقة من المنطقة المصنفة (ج) التي تسعى إسرائيل إلى ضمها وتوسيع الاستيطان عليها.
هذا الواقع يتطلب إعادة تقييم جريئة وواقعية للحقائق التي باتت تصفع الجميع صباح مساء، واتخاذ الموقف الملائم الذي يحافظ على ما تبقى من مصالحنا إلى حين تحصيلها جميعها بالحد الأدنى الذي يحظى بالإجماع الوطني. فما معنى الالتزام الأحادي باتفاق "أوسلو" الذي لم تعد إسرائيل تعيره اهتماماً بل تتنكر له تماماً وتريدنا أن نكون أسرى لما لم تنفذ جزءه الأهم وهو الانسحاب؟
وإذا كانت إسرائيل ماضية قدماً في توسيع البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي وتهويد القدس فما جدوى الحديث عن مفاوضات سلام مع الحكومة الإسرائيلية في أي إطار كان إذا لم تكن مرجعية المفاوضات قرارات الشرعية والدولية والاعتراف بحدود عام 1967؟
نحن بحاجة إلى العودة قليلاً إلى الوراء إلى زمن الانتفاضة الأولى، إلى المشروع الوطني بزخمه وعنفوانه، للتأكيد على بديهيات هذا المشروع الذي شعاره الجوهري الحرية والاستقلال، فالإيمان بحل الدولتين يجب ألا يلغي التماثل والتوازن، واعترافنا بإسرائيل يجب أن يكون قاطعاً على حدود عام 1967 وأن يكون مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ ذلك العام. وربما يكون الاعتراف بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير هو أحد أكبر خطايا "أوسلو" فهو اعتراف غير منطقي لأنه لا يتضمن اعترافاً إسرائيلياً بحقنا في أرض وطننا. وهذه نقطة جوهرية يجب أن تخضع لمراجعة ولا عيب في الاعتراف بخطأ يجب تصحيحه، فماذا لو تراجع الفلسطينيون عن الاعتراف بإسرائيل وربطه بصورة تامة باعتراف إسرائيل بدولة فلسطين بحدود عام 1967؟ هذا بالتأكيد سيكون خطوة نحو التصحيح ويمكنها أن تقلب الطاولة وتدفع إلى تدخل دولي فاعل لإنقاذ المنطقة، فهل نحن جاهزون لمجرد المراجعة والتفكير.