أين كنتم حين سقطت حلب؟ أنا واثق بأن أحداً منا لم يسأل نفسه هذا السؤال.
ولكن سيأتي اليوم، وهو ليس بعيداً، فينبش المؤرخون في هذه اللحظة الرهيبة، وسيسألون لماذا لم نسأل أنفسنا.
تقول التقارير إنه في شارع الفردوس حرق نحو 70 امرأة، طفلاً، وشيخاً، اختبؤوا في ملجأ، حيث أحرقتهم الميليشيات الإيرانية.
ويبلغ سكان شرق حلب بأن أعلام «حزب الله» رفعت على المنازل، ورجال طاقم المستشفى الأخير، من ممرضين وربما طبيب واحد، أوقفوا ، وأطلقت النار عليهم جميعا.
تذكروا أين كنتم حين سقطت حلب، والهلال الشيعي – الايراني – السوري – الروسي امتد من مياه البحر المتوسط والضاحية الجنوبية، عبر دمشق وحتى طهران.
بسرعة شديدة سارع بعض مستشرقينا ليعرفوا الحرب السورية كحرب طوائف، علويون وشيعة ضد السُنة، حتى نسوا الحقائق الأساس: سورية هي الدولة الأكثر علمانية في العالم العربي، وليس فيها أقلية شيعية كبيرة.
تنقلتُ في اوروبا مع اللاجئين السوريين لفترة قصيرة، ورأيت بعيني الالاف وربما عشرات الالاف – ولم أرَ في أية مرة ولم أصور صلاة لعدة رجال معاً.
مرة رأيت رجلا واحدا يصلي. سألته من أين هو: سوري كان يعيش معظم السنين في أبو ظبي، باستثنائه، الباقون كانوا علمانيين. كان هذا ما شاهدته عيناي.
نعم، على الظهر المنحني لسورية الممزقة دارت رحى الحرب العالمية السنية – الشيعية، ولكن السوريين لم يكونوا سوى المنصة لمسرح الموت هذا.
الحرب كلها هي حرب ديكتاورية وحشية، نظام الأسد، والقاتل الأكبر فيها ليس «داعش» أو جبهة النصرة، بل بشار الأسد – المسؤول عما لا يقل عن 75 في المئة من القتلى المدنيين في الحرب.
ومثل بن علي في تونس أو مبارك في مصر، رأى الاسد امام عينيه مظاهرات كبرى تطالب بالديمقراطية، وخلافا لهما قرر قتل ابناء شعبه، وهو يواصل قتلهم.
نعم، هذا موضوع مركب. العالم العربي غارق في الاصولية، وليس سهلا فصل المعسكر الليبرالي عن الآخرين.
لم يكن سهلا تأييد الجيش السوري الحر، وكان اصعب الامر بفرض «منطقة حظر طيران»، كانت ستعطل سلاح الجو السوري قبل سنتين – ثلاث سنوات وتحسم الحرب لصالح الثوار.
كان صعبا، في حينه امتنعت ادارة اوباما – ومعها كل الغرب – عن اتخاذ القرار، فقد سمحوا للمستنقع السوري أن يعتمل ومنحوا الاسد – من خلال تسوية الاستسلام البائسة حول اخراج السلاح الكيميائي - رخصة لمواصلة الحرب والقتل الجماعي.
لقد كشف الغرب عن ضعفه البشع، امتناعه الواضح عن التضحية بالدم الأبيض من أجل العرب في سورية.
لم يكن لبوتين أية مشكلة في أن يضحي بدم روسي من اجل الايرانيين ومن أجل نظام الاسد، ولهذا انتصر بوتين. وبالتوازي، تدفق اللاجئون إلى أوروبا وغيروا السياسة فيها. فالمصوتون من أجل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا قالوا إن الخوف من الهجرة هو اعتبار حاسم، وهكذا كان في الولايات المتحدة ايضا.
فقد استخدم ترامب صور اللاجئين في اوروبا كي يحذر من أنهم في الطريق الى تكساس، وصدق الناس.
وبتعبير آخر من ليس مستعدا ليضحي بالدم والمكانة كي يمنع حربا أهلية في سورية سيجد لاجئين في اوروبا، ومن يرى لاجئين في اوروبا سيشهد صعود اليمين المتطرف وربما تفكك الاتحاد، وخطا مباشرا يمتد بين البريكست ودونالد ترامب.
أنا فرح للاجئين الذين التقيت بهم قبل نحو سنتين، من سكان حلب.
مرتين دمروا بيت شوكي وشهد، الفتى والفتاة اللذين وثقتهما في «اكسودوس». مرتين بنت العائلة البيت من جديد، وأقسمت على ألا تترك وطنها.
في المرة الثالثة تركته، شوكي يتعلم الالمانية، شهد تريد أن تكون طبيبة، وأبوهما سائق باص، هم على قيد الحياة وينعمون بحظهم السعيد.
ولكن حلب سقطت ومعها تغرب شمس الغرب، تنسكب ظلالها في الأفق، في أفقنا أيضا.
إسرائيل و«الغرب» مساهمون في هدم النظام الدولي
26 ديسمبر 2024