طلب بنيامين نتنياهو، أول من أمس، من رئيس كازاخستان أن يقول لإيران: "اسرائيل ليست أرنبا، بل نمر". وهناك ما هو صحيح في اقواله، لأن اسرائيل هي القوة الاقليمية الأقوى، وهي لا ترى أحدا من مسافة متر، ولا تتردد في العمل من وراء حدودها، أن تقصف هنا وتعاقب هناك، وأن تضع "الخطوط الحمر" وتقوم بخلط الشرق الاوسط كله. وهي لديها الثقة بالنفس والتفوق العسكري والتكنولوجي والقدرة التي لا يملكها أي أحد.
لكن هناك نجمة. هذا النمر يتحول الى أرنب يرتجف ويخاف فقط في حالة واحدة: حين يصطدم بمستوطن. إذا كان هناك من يمكنه انزال القوة العظمى الاسرائيلية على ركبتيها ويجعلها تزحف طولا وعرضا ويفرض عليها ما تفعله، فهم المستوطنون. ليسوا جميعهم، بل وليس غالبيتهم. العدد الأكبر من الاسرائيليين الذين يعيشون وراء الخط الاخضر هم مواطنون يحافظون على النظام والقانون. وفقط مجموعة قليلة هي التي تتجاهل ضجيج الخلفية وتضع لنفسها قانونا. اربعون عائلة موزعة في عشرات الكرفانات توجد على تل ليس لها في "عمونة"، غيرت برنامج العمل الاسرائيلي منذ بضعة أشهر، وهي تفعل ما تشاء.
إذا أخذنا عدد الساعات المستثمرة في ايجاد حل لـ"عمونة"، وعدد الاشخاص الذين اهتموا بذلك، وضربنا ذلك بسعر ثمن ساعة العمل في مكاتب المحامين في اسرائيل فسنصل الى ميزانية الدفاع. لو كانوا استثمروا ربع ذلك في مئات آلاف العائلات المحتاجة وعشرات آلاف من الذين ينتظرون السكن الحكومي أو في علاج السلاح النووي الايراني، لكان يمكن عمل المعجزات. أما سكان "عمونة" فقد رفضوا الاقتراح الذي أخضع من اجلهم القانون، وظهر الجبل ايضا. إنهم يريدون أكثر من ذلك. لماذا يريدون أكثر؟ لأنهم اعتادوا على الحصول على ما يريدون.
أحدثت ازمة "عمونة" المعجزات. فهي وضعت بنيامين نتنياهو مع الذين يكرههم، نفتالي بينيت واييلت شكيد، وصهرتهم في وحدة واحدة. الساعات التي قضاها هذان مع رئيس الحكومة في الاشهر الاخيرة لا يمكن احصاؤها.
لكن هذا لا يهم افيحاي بوارون وجماعته، الذي حاول الدخول الى قائمة "البيت اليهودي" في المرة السابقة وفشل. والذي قرر أن يقوم بعمل يحدث هزة ويحوله الى بطل اليوم. الشخص الذي احتل الجبل. الوطني الذي قال عن بتسلئيل سموتريتش "خائن".
يمكن فهم افعال أهل "عمونة" بشكل مختلف. فقرارهم رفض الصيغة هو قرار النزول عن الجبل. لقد تنازلوا. إنهم لن يتعاونوا مع الاخلاء، لكنهم لن يرفعوا أيديهم على رجال الشرطة أو الجنود، كما وعدوا. يبدو أنهم ضاقوا ذرعا من التنقل بين التلال والكرفانات. هذا أمر انساني يمكن تفهمه. ونحن نأمل ألا تنجح الزمرة التي ستصل الى "عمونة" من اجل القاء عود الثقاب داخل برميل البارود. يجب أن تنتهي هذه المهزلة.
في نهاية المطاف ستتجاوز الحكومة ازمة "عمونة" ولن يتفكك الائتلاف. وهذا هو انجاز بينيت وشكيد، اللذين استخدما القوة السياسية وجرا نتنياهو الى المكان المريح لهما. صحيح أن نتنياهو، من خلال تقربه منهما، يحولهما الى درع واقية في وجه مصوتي اليمين والصهيونية الدينية. ولكن في المقابل، سيحصلان على قانون التسوية الذي سيعمل على تغيير الوضع في "يهودا" و"السامرة"، ويعمل على تغيير بعض الوحدات السكنية غير القانونية الموزعة هناك. وسيحصل بينيت على الثمن في حينه، أما الآن فهو مثل نتنياهو يركز على اقناع الرئيس اوباما بأن يترك البيت الابيض دون أي عمل سياسي. هذا هو القلق الحقيقي للنخبة الاسرائيلية، وهذا هو سبب اخلاء "عمونة" في الايام القريبة القادمة.
جدار الواقع
لقد وصل شخص قبل ثمانية اسابيع من اجل الالتقاء مع وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون. يدور الحديث عن شخص غير سياسي، لكنه يرتبط بالبنية السياسية منذ سنوات طويلة، وقام بمهمات تنفيذية رفيعة المستوى. إنه يعرف رئيس حزب العمل والمعسكر الصهيوني، اسحق هرتسوغ، وعمل معه. وهو يعرف جيدا يعلون ايضا. وقد كان لهذا الشخص اقتراح، وقال ليعلون إن هرتسوغ في صورة الأمور. ومن اجل حرية النفي، تم الحديث بشكل نظري.
ما هو الاقتراح؟ إدخال يعلون الى المعسكر الصهيوني وتعيينه رئيسا للحزب بدون انتخابات تمهيدية. إن هذه خطوة دراماتيكية ستغير قواعد اللعب بضربة واحدة. وقد قال صاحب الاقتراح إنه اذا وافق يعلون فلن تكون هناك مشكلة في المصادقة على ذلك في مؤتمر الحزب. إن أكثر المتفائلين في المعسكر الصهيوني يفضلون حزبا ينافس على السلطة مع أكثر من عشرين مقعدا، على حزب بالكاد يتجاوز نسبة الحسم.
طلب يعلون وقتا لفحص الاقتراح، وبعد اسبوعين كان رده سلبيا. صحيح أنه ولد في هذا المعسكر، لكن الظروف لم تنضج بعد كي يعود اليه. الآن هو يستمر في خطته الاصلية، حيث سيقيم حزبا في آذار القادم، وبعد ذلك سيرى ماذا سيفعل.
هناك سيناريوهات كثيرة تحدث في المعسكر الصهيوني. وأحد الخيارات هو انشاء فيدرالية حزبية تتكون من اتحاد عدد من الاحزاب، يترأسها ايهود باراك كمرشح لرئاسة الحكومة.
أحد المقربين من يعلون قال: "بوغي هو شخص يميني، وهناك فجوة عميقة بين مواقفه السياسية اليمينية وبين مواقف المعسكر الصهيوني اليسارية".
وقال هرتسوغ إن الاقتراح لم يكن بالتشاور معه. وهو ينوي الاستمرار بقيادة الحزب في المستقبل ايضا.
وعودة الى يعلون. إنه يدرك أن اعلانه المنافسة على القيادة في الانتخابات القادمة ليس منطقيا، حيث إن الاستطلاعات تمنحه 5 – 6 مقاعد، ولا يبدو أن هذا سيتغير قريبا. يعلون ليس حيوانا سياسيا من نوع جدعون ساعر الذي يعرف كيف يعزز مكانته كبديل لنتنياهو، حتى وهو في الخارج. ومن ناحية اخرى هو عنيد. ورغم أن جهوده لتجنيد الاموال تواجه صعوبات والنقاشات الكثيرة التي يجريها مع منضمين محتملين ليست مضمونة، إلا أنه يصمم على اقامة حزب من اجل المنافسة.
اللقاء الذي تم بين يعلون ويائير لابيد قبل بضعة اسابيع كان لافتا. كان من المفروض عدم صدور اعلان دراماتيكي حول الاتحاد أو الانضمام. كان هذا لقاءً للتشاور، تحدث فيه لابيد مع يعلون بصدق. وقد قال إنه يتفهم لماذا يرفض يعلون الانضمام لحزب "يوجد مستقبل" كرقم 2. ففي نهاية المطاف، يعلون هو الذي أطلق الرصاصة بين عيون أبو جهاد، وهو الذي كان رئيس الاركان في الجيش ووزير الدفاع الذي حظي بالتقدير. وقال لابيد إنه يعرف هذا الشعور، لكن الحياة لا تسير هكذا. ففي الحياة هناك من يكون في المكان الاول لأنه يأتي بالمقاعد.
يأمل لابيد أن يكون هناك التقاء بينه وبين يعلون في المستقبل، حتى لو قام الأخير باقامة حزب. لأنه اذا كان يعلون الى جانبه فان الطريق الى رئاسة الحكومة ستكون قصيرة جدا. يعلون هو الذي يمكنه اختصار طريق لابيد والعودة الى وزارة الدفاع والتسبب بطرد نتنياهو. يعلون، الذي يتحدث في الغرف المغلقة عن نتنياهو كتهديد على أمن الدولة وقيمها، سيفحص ذلك بشكل جدي في المستقبل. هذا على الأقل ما يؤمن به لبيد.
قانون المؤذن
قانون المؤذن ما زال عالقا. إلا أن رئيس الحكومة ما زال مصمما. لقد تحول نتنياهو في الاسابيع الاخيرة الى القوة المركزية التي تدفع باتجاه سن هذا القانون. وفي محيطه لا أحد يفهم سبب هذه الهستيريا.
أمامه يقف جنجي واحد، هو عضو الكنيست يهودا غليك، الشخص الاكثر غرابة في الكنيست. ومرة تلو الاخرى يُظهر غليك استقلاليته في التفكير، ويثبت أن التفوق الاخلاقي والقيمي والمبادئ يمكن أن تزدهر ايضا في اليمين. وفي موضوع المؤذن حاول غليك اقتراح حل وسط وفتح نقاش يعمل على حل هذه المشكلة، مثل خفض صوت المكبرات عند آذان الفجر، والسماح برفع الصوت خلال اليوم. وعندما بدا أن هذا الحل سينجح وأن صيغة القانون الاولى ستذهب الى سلة قمامة التاريخ، ذهب رئيس الحكومة الى البيت. وعندما عاد في اليوم التالي كان أكثر تطرفا. لا في الليل ولا في الصباح يجب أن يمر القانون كما هو. هذا ما قاله نتنياهو لاعضاء الكنيست، بمن فيهم غليك.
حاول غليك حث رئيس الحكومة على قراءة الرسالة التي قام بارسالها اليه. "أرسل هذه الرسالة الى انغيلا ميركل"، قال نتنياهو، "هذا لا يهمني". لماذا انغيلا ميركل؟ لأنهم في ألمانيا ايضا منعوا الآذان. إذاً، لماذا تسمح اسرائيل بذلك؟ غليك لم ييأس. ومن أنقذ الموقف هم الحريديون، حيث إن القانون يشمل ايضا صافرات السبت التي تسمع في الاماكن السكنية للمتدينين مساء ايام الجمعة.
الجزائر تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي للشهر الحالي
01 يناير 2025