اتفاق روسي تركي، كان الممهد لإخلاء آلاف المسلحين والجرحى وعائلاتهم بعد سيطرة الجيش السوري على "حلب الشرقية" تم تعطيل هذا الاتفاق جزئياً ومؤقتاً بعد تردد المسلحين الذين يحاصرون قريتي كفريا والفوعا بفك الحصار وإدخال مساعدات إنسانية، الغذاء والأدوية إليهما، حسب ما اشار الجانبان، إيران وحزب الله، أن ذلك كان جزءاً من الاتفاق، تم في نهاية الأمر الالتزام بهذا الأمر، ما أدى إلى استمرار تدفق عملية الإخلاء مع بعض الملاحظات هنا وهناك.
من الملاحظ في هذا السياق، أن هناك تعاوناً متزايداً بين موسكو وأنقرة في كل ما يخص الأزمة السورية، ويأتي هذا التعاون ليرسم معالم جديدة لخريطة التحالفات والاستقطابات، وعلى حساب أطراف كان لها اليد الطولى في التأثير على مجريات الأزمة السورية، إيران وحزب الله، أميركا وأوروبا، ولعل أهم ما في الأمر، انتقال المرجعيات من الغرب إلى الشرق، وربما من جنيف إلى الأستانة!!
أواخر العام الماضي، كان من اللافت ذلك الاجتماع الذي يعقد للمرة الثانية في عاصمة كازاخستان للمعارضة السورية، أو على الأقل جزء مهم من تلك المعارضة المشتتة والمتفتتة ومتعددة المراجع والأهداف والسياسات، الاجتماعان كان لهما موقف واحد إزاء الأزمة السورية: مباحثات سياسية، ومرحلة انتقالية، موضوع الرئيس الأسد لا يناقش من حيث بقاؤه أو مغادرته، وإشادة بالدور الروسي "المتفهم"! دون تجاهل الحديث عن جبهة موحدة ضد الإرهاب وسحب كافة المسلحين الأجانب من الأراضي السورية، وإذا كان المؤتمر الأول للمعارضة السورية الذي عقد في الأستانة قبل المؤتمر الثاني بستة أشهر تقريباً فإن ذلك التاريخ، من الممكن أن يعتبر الدلائل الأولى على الخطة السياسية المنطلقة من موسكو، للابتعاد عن تأثيرات مؤتمرات "جنيف" المتتالية وقراراتها النهائية التي ظلت دون تنفيذ لسبب رئيسي، ذلك أن هذه القرارات لم تأخذ بالاعتبار التطورات المحتملة لمتغيرات الميدان على الساحة السورية من جهة، ومتغيرات التحالفات المتجددة، ويأتي في طليعتها تراجع الدور الأميركي والأوروبي وتنامي تأثير التحالف الجديد بين موسكو وأنقرة.
عندما أضافت إيران، مسألة فك الحصار عن القريتين كفريا والفوعا إلى الاتفاق الروسي ـ التركي لإخلاء المسلحين، لم يكن الأمر يتعلق بإضافة شكلية تأخذ بعداً مذهبياً فحسب ـ إذ أن القريتين شيعيتان ـ بل لتذكير الطرفين الروسي والتركي، أن تجاهل الدور المؤثر لإيران وحزب الله في الساحة السورية، لن يجعل تزايد العلاقات بين أنقرة وموسكو أمراً سهلاً، إذ بالامكان التخريب على هذه الجهود على الأرض والميدان، خاصة وأن النظام السوري يدعم هذا التوجه، وان كان بتردد كبير، ذلك أن موقف دمشق بالغ الحساسية، إذ أن الخلاف بين الحلفاء واتخاذ موقف أو الاصطفاف لصالح طرف دون الآخر سيشكل إضعافاً لهذا التحالف الذي لا بد منه لدعم النظام السوري.
بعد عشرة أيام، وتحديداً في السابع عشر من الشهر الجاري، من المقرر أن ينعقد الاجتماع الثلاثي الذي يضم وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وايران، بدعوة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة الروسية، ويبدو أن هذا الاجتماع جاءت الدعوة اليه بعد التذمر الإيراني من تعمق التحالف الروسي ـ التركي، وإعداد هذا التحالف لعقد اجتماع مرتقب في العاصمة الكازخستانية "الاستانة" يجمع بين المعارضة من جهة والنظام السوري من جهة ثانية، اجتماع وزراء الخارجية الثلاثة في موسكو، هو شكل من أشكال الترضية لطهران، أكثر من كونه علامة أكيدة على تراجع اعتماد موسكو على طهران في الساحة السورية.
وربما يبحث الشريكان الجديدان، روسيا وتركيا في القاسم المشترك بينهما وبين النظام السوري، واستبعاد مجالات الخلاف بين هذه الأطراف الثلاثة، والقاسم المشترك، هو الذي لم يكن مشتركاً بين تركيا والغرب وخاصة الولايات المتحدة، والأمر يتعلق هنا بالمسألة الكردية، الأطراف الثلاثة تتوحد حول "وحدة الأراضي السورية" ما ينفي أي مستقبل لتطلعات الأكراد في دولة خاصة بهم تتموضع على حدود سورية وتركيا وداخلهما، المسألة الكردية كانت أحد الأسباب الجوهرية لجنوح تركيا أكثر فأكثر للتحالف مع الروسي والابتعاد شيئاً فشيئاً عن التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، خاصة بعد تراجع دور هذه الأخيرة على الساحة السورية، إضافة إلى ما يبشر به الرئيس الأميركي المنتخب "ترامب" وتطلعه إلى مزيد من عزلة أميركا وتدخلاتها الخارجية، بما في ذلك الأزمة السورية، والتفاهمات المتوقعة بين روسيا والولايات المتحدة، ترجمة للصداقة المتزايدة بين بوتين وترامب، الأمر الذي يترك آثاره من دون شك على طبيعة الخارطة السياسية ـ الأمنية على الساحة السورية من خلال تحالفات جديدة كنتيجة لهذه التحولات المتوقعة.
معركة حلب، ترسم تحالفات جديدة، ومرجعيات سياسية وأمنية مختلفة عما كان الأمر عليه خلال الخمس سنوات الماضية، وانتقال التأثير من الغرب "جنيف" إلى الشرق "الاستانة" هو عنوان هذه المرحلة!!
صمود الميدان والحاجه لخطة سياسية لوقف الحرب
31 أكتوبر 2023