1 ـ أدهم
"أحمد، المنسي بين رصاصتين"؟ أو قل أدهم القتيل بين هدنتين "مخروقتين" في ستالينغراد في حلب "المحرّرة"، "الساقطة"؟ هو الفلسطيني أدهم درويش (45 سنة) بين وقفين لإطلاق النار، سقطت قذيفة عشوائية من شرق المدينة إلى حي الحمدانية غربها.. وأصابت مقتلاً من أدهم.
ولد أدهم في مخيم النيرب على حواشي حلب، ومات والده في المخيم بعد نزوح أهل ترشيحا. من النيرب إلى مخيم حندرات في حواشي المدينة، ومنها إلى حي "الحمدانية" غرب المدينة.
من يكون القتيل الأول في الحروب؟ من يكون القتيل الأخير في حرب السنوات الست في سورية وعليها؟ هناك مزيج من نباح، نواح، وصياح على/حول "النكبة السورية". لسبب ما أتذكر فقرة من رواية "الأمل" للأديب الوزير الفرنسي السابق أندريه مالرو عن "التفجع غير الضروري لعملية اختيار الإرادة"!
واحد من أقرباء أدهم صار لاجئاً في السويد. واحد آخر طرد من عمله عشرات السنوات في "الإمارات" وفتح دكانة لأجهزة الاتصال في حلب كلفته 150 ألف دولار.. ذهب طعماً للسلب والنهب والخراب.
شيء يذكّر في خروج المدنيين والمسلحين من شرق حلب، بخروج بيروت الفلسطيني؛ وأشياء كثيرة لا تذكر. شيء يذكّر بما جرى في مخيم اليرموك، بما جرى في مخيم صبرا وشاتيلا.. وأشياء عديدة لا تذكّر.
وحدها، سورية، يقول قانونها المدني "السوريون ومن في حكمهم". تقول السلطة الفلسطينية: لا نتدخل في الشأن السوري، لكن 60 عاماً من اللجوء الفلسطيني جعلت العلاقات بين الشعبين متداخلة جداً: في العمل. في الحياة. في الزواج.. وفي الحروب والموت.
صحيح، أن بلاد الشام انقسمت أربع دول، لكن لولا إسرائيل لتشكلت فيها "أمة سورية ـ فلسطينية" عربية طبعاً، لأن الأردن ولبنان دولتا هامش لسورية.
2 ـ سعيد
لم يبدأ "ربيع سورية" من شارع بورقيبة التونسي؛ من ساحات صنعاء؛ من ساحة التحرير.. بل من قرى ومدن الأرياف. كان الهتاف الأبرز "سلمية ـ سلمية ـ سنّية ـ علويّة".
كان السوري ـ الفلسطيني سعيد، على اسم شقيقي الفدائي الشهيد وخاله، ثمرة زيجة بين بنت أختي وسوري ـ شيوعي ـ شيعي في طرطوس. صار سعيد نشيطاً جداً في تمرد دوما والزبداني، وكتب نصاً صار عموداً بين أعمدتي. قلتُ له: تروَّ. قال: "أنا سوري يا خالي"!
أمّه، نبيلة بنت أختي وفيقة، بقيت تحمل هُويّة فلسطينية ـ سورية. الابن يتبع هُويّة أبيه.. وهكذا، قال لي "أنا سوري يا خالي". من يومها صرت أقل من يكتب عن محنة سورية، ومحنة الفلسطينيين السوريين. "السوريون ومن في حكمهم"!
لأسباب، يفضل الشبان السوريون الاقتران بلاجئة فلسطينية، قويّة ومدبّرة. لأسباب أخرى، يفضّل شبّان سوريون الزواج من شامية أو حلبية. هذا التداخل لأن فلسطين "سورية الجنوبية" وسورية "فلسطين الشمالية".
3 ـ غازي
ستصدر في دمشق أسبوعية ثم يومية اسمها "الأيام" وهي رابعة الصحف السورية: البعث، الثورة، الوطن ورابعة صحيفة عربية تحمل اسم "الأيام" بعد "الأيام" السودانية والإماراتية.
محرّر "الوطن" السياسي حسن م. يوسف هو صديقي من أيام جامعة دمشق، ويرسل لي مقالته الأسبوعية، له كتب وله مسلسلات تلفزيونية، أحدها عن محمود درويش، عندما علقت على المسلسل سألني: "من أنتم أيها الفلسطينيون" قلت له: "نحن شعب محمود درويش. لسبب ما، اعتبر جوابي "لدغة" أو "قرصة" لمسلسل كتبه .. زعل قليلاً، ثم وصفني "بطل الأيام".
صدقاً، ما سألته أيام جامعة دمشق: هل أنت علوي، بعثي.. ها هو يكتب مقالته كعربي سوري، تقدمي، علماني، تزوج من حبيبته المسيحية، وابنته موسيقية بارزة.
صديقي غازي سلامة أعرفه، كان موظفاً في "اتحاد شبيبة الثورة"، وندردش أحياناً عن "يا تلك أيام الشباب والصداقة الجميلة في دمشق".
كما صدرت "الايام" الفلسطينية عشية الميلاد ورأس السنة، كذا قد تصدر "الأيام" السورية عشية العام الميلادي الجديد، وسيكون غازي هو المحرر السياسي لها، كما حسن م. يوسف في جريدة "الوطن"، سيطرح غازي سؤالاً عليّ وعلى آخرين، وسيكون عليّ أن أكتب جوابي.
كانت بدايتي الصحافية أدبياً في "الطليعة" السورية، كما نشرت في "جيش الشعب" العسكرية مقالتين صحافيتين علميتين ـ جغرافيتين.
قبل انقلاب حافظ الأسد، كان مثقف سوري من عائلة الجندي المثقفة، رئيس تحرير جريدة "البعث" ونجحت في امتحان القبول بها، لكن النتائج ألغيت من رئيس تحرير بعثي آخر.
كتب زملاء لي في جريدة "الثورة" السورية، منهم كنعان فهد وجلال خير بك رسالة مفتوحة لحافظ الأسد: لماذا ينجح حسن البطل ويبقى عاطلاً عن العمل؟ السبب الذي أعرفه ولا تعرفونه أنني لم أوقع الولاء لحزب البعث. ماتت أمي وأختي، وكذا أخواي الكبيران وأنا ممنوع من زيارة سورية "إلى الأبد".
***
إليكم فقرة من صحيفة "يديعوت" 14 ـ 12 ـ 2016، بقلم نداف إيال: "سارع بعض مستشرقينا لتعريف الحرب السورية كحرب طوائف: علويون وشيعة ضد سنّة، حتى نسوا الحقائق الأساس: سورية هي البلد الأكثر علمانية في العالم العربي. تنقّلت في أوروبا مع اللاجئين السوريين لفترة قصيرة، ورأيت بعيني الآلاف، وربما عشرات الآلاف، ولم أر في أي مرة، ولا حتى مرة واحدة، ولم أصوّر صلاة لعدة رجال معاً. مرّة رأيت رجلاً واحداً يصلي. سألته من اين هو: سوري كان يعيش معظم السنين في أبو ظبي. باستثنائه، الباقون كانوا علمانيين. كان هذا ما شاهدته عيناي".
***
عندما سألني غازي أن أكتب شيئاً للعدد الأول، كتبت له ما قاله جمال عبد الناصر عشية انفصال سورية عن مصر 1961: "أعان الله سورية الحبيبة على أمورها، وسدّد خطاها، وبارك شعبها..".
أدهم مات كفلسطيني سوري. سعيد نشط في الثورة السلمية المغدورة كفلسطيني لجهة الأم وسوري لجهة الأب. غازي سوري ـ عروبي ـ تقدمي ـ بعثي. مع الدولة لا مع النظام، ومع النظام لا مع رئيس النظام. مع الشعب في الحرب السورية، كما هو حسن م. يوسف.
"السوريون ومن في حكمهم".