أقل ما يُقال في توصيف نتائج مؤتمر حركة "فتح" السابع؛ لجهة تموضع المرأة في هيئات صنع القرار، بالهزيلة والمخيبة للآمال والتوقعات.
الخبر؛ لم تعكس مشاركة المرأة في عضوية المؤتمر العام، البالغة 13.5% من إجمالي العضوية مع نسبة مشاركتها في قاعدتها البالغة على الأقل ربع جسم الحركة، وبصعوبة بالغة اخترقت امرأة واحدة الستار الحديدي المحيط بعضوية اللجنة المركزية، وحجَّم المؤتمر مشاركة المرأة في عضوية المجلس الثوري موصلاً تسع عضوات؛ بنسبة تعادل 11% من عضويته. بذلك، يعتبر وضع المرأة في "فتح" متأخراً مقارنة بنسب المشاركة النسوية بالفصائل الأخرى، متأخرة عن ما تتيحه قوانين الانتخابات!
خاب أمل النساء عامة بما تمخضت عنه النتائج؛ ربما أكثر من خيبة أمل الفتحاويات أنفسهن. فالمأمول والمنتظر من معادلة "فتح": أن تحقيق الفتحاويات نتائج واختراقات مهمة لمراكز صنع القرار الفتحاوي، يخدم عملية التغيير الاجتماعي والنظرة النمطية والسلوكيات تجاه مشاركة المرأة في البنى القيادية، كتنظيم جماهيري منتشر في أغلبية المناطق، قادر على التأثير في المحيط والبيئة الاجتماعية والثقافية.
ببساطة متناهية؛ إن كانت المرأة التقدمية في "فتح" بخير والطريق سالك أمامها نحو الحيِّز العام، فالمرأة في المجتمع ستكون بخير على ذات الطريق. لكن يبدو أن الأمور في الحركة ليست بخير، والفتحاويات كُنَّ الحلقة الأضعف في مجرى التنافس والصراع على الهيئات القيادية في المؤتمر، وعليه تم إقصاؤها.
الأسئلة المطروحة للبحث فيها من قبل الجميع: ما المجريات التي أدت إلى أن تحصد المرأة الفتحاوية النتائج الهزيلة التي لم تعكس، في أسوأ الأحوال، حضورها في عضوية المؤتمر؟ وهل تعود المشكلة إلى حضورها وكفاءتها المتذرَّع بهما دائماً! أم أن المشكلة بالفتحاويين أنفسهم وثقافتهم الذكورية! أم أن المشكلة تتصل بالمنظومة بأكملها.
سأضع مشكلة نقص الكفاءة النسوية جانباً، كوننا نشهد بأم عيوننا الإجابة عنها في الواقع.. الفشل الذكوري أينما يممنا وجوهنا، أليس الذكور من يتربع على مراكز القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من يتحمل مسؤولية الفشل؟!
أذكِّر بإحدى جلسات المؤتمر التي تم بثَّها مباشرة للمشاهدين؛ حين سمعنا نائبة رئيس المؤتمر الأخت "أم جهاد" تطالب الرئيس: "نريد تخصيص وتطبيق قرار المجلس المركزي بتخصيص "كوتا" للمرأة بنسبة 30% في المؤتمر، سمعنا إجابة الرئيس مباشرة: "لقد وقعت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ لكنّ..
إذن الرئيس يعتبر أنه قد وقع الاتفاقية للنساء، بينما الاتفاقية تعبِّر عن رؤية فكرية لطبيعة هوية النظام السياسي الذي نطمح لبنائه وتكريسه. أسس بناء مجتمع العدالة والديمقراطية والمشاركة والمساواة، المنصوص على تبنيها في الوثائق المرجعية الفلسطينية.
الاكتفاء بالتوقيع لا يحقق غاية التوقيع والانضمام، تجسيد التزام الدولة التي ولّدها التوقيع يحتاج إلى تغيير المسار الذي خلق الفجوات والتناقضات، هنا مربط الفرس. النقاش يجب أن يتركز على المنظومة التي تقصي النساء، بدءاً من توفر القناعة الراسخة بمبدأ المشاركة عموماً ومشاركة المرأة كتحصيل حاصل، توفر الخطط والبرامج والسياسات الرؤيوية اللازمة من أجل الشروع في عملية التغيير الاجتماعي الشامل، الأدوار والمآلات ضمن أجندات زمنية.. التي تتحول إلى قوة مادية يحملها ويتملكها المجتمع؛ لتتقدم وتنتصر دولة المبادئ.
لا بد من ملاحظة المفارقة التالية التي يقع بها الفتحاويون، إن كان ثمة جهة معنية، أكثر من النساء أنفسهن، في تجسيد الالتزام بالتوقيع ومتطلباته ودفعه إلى النفاذ، فهي بالضرورة حركة "فتح" وأطرها وعلى وجه الخصوص. صحيح أن الرئيس قد وقع على الاتفاقية بصفته رئيس الدولة، لكنه بالوقت نفسه رئيس حركة "فتح".
مفارقة أخرى، تتمثل بأن حركة "فتح"، أكثر كرماً مع النساء في الفضاء الوطني العام منه في الفضاء الفصائلي الخاص. لقد تحالفوا مع الحركة النسائية في المطالبة بتخصيص كوتا للنساء بواقع 30% في القوانين الانتخابية الوطنية، كما أيدوا صدور قرار عن المجلس المركزي الفلسطيني، أعلى هيئة تتخذ القرار في حال غياب اجتماع المجلس الوطني، يتبنى تخصيص مقاعد مضمونة للنساء في جميع بنى الدولة والسلطة بواقع 30% من المقاعد، ولم يكن لينجح القرار لولا وقوف الحركة معه، بينما تَضِنُّ "فتح" على عضواتها بنصف النسبة التي وافقت عليها في المجلس المركزي!
بتراجع دور المرأة في الحياة السياسية بسبب النزعة الذكورية السائدة والعرف العشائري المهيمن، دون التغاضي عن النجاح المتحقق في خرق المجال التعليمي. تبني "الكوتا" في حركة "فتح" ضرورة قصوى حماية لدور المرأة النضالي، الوطني والسياسي، دون تسويف أو تأجيل.
دون "الكوتا"، ليس من المتوقع إنصاف قطاع مهم من مكونات وتشكيلات الحركة، ولكون "فتح" تحمل جميع مركبات النوازع والاتجاهات الفكرية، ينبغي عدم ترك مصير قطاع المرأة وغيره للظروف الآنية المرافقة للانتخابات. مثَّل تخصيص مقاعد مضمونة فرصة كبيرة لتغيير نظرة المجتمع إلى المرأة، ومحاولة التأثير وإقناع شرائحه المختلفة بقدرتها على العمل في المجال السياسي، إن كان التغيير أحد استهدافات النظام السياسي ومأخوذ بالاعتبار بجدية، بعيداً عن بيع الكلام.