لقي مساء أمس الاثنين، السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف، مصرعه برصاص مسلح أطلق النيران صوبه بكثافة، خلال مشاركته في معرض فني مُقام في العاصمة التركية أنقرة.
بدورها، أدانت تركيا الحادثة على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، مؤكداً على أن اغتيال السفير الروسي هدفه عرقلة تطبيع العلاقات بين أنقرة وموسكو، وعملاً تحريضياً يستهدف العلاقات الجيدة بين البلدين.
وأوفدت روسيا 18 محققاً من عناصر أجهزتها الاستخبارتية والدبلوماسية، إلى تركيا للتحقيق في اغتيال سفيرها بأنقرة.
هذه الحادثة أشغلت الرأي العام العالمي، حول مستقبل العلاقات بين الطرفين، خاصة في ظل الدعم الروسي الواضح لنظام بشار الأسد في سوريا، وعلى النقيض محاربة تركيا لنظام الأسد، ما أوجد عدة تساؤلات أبرزها هل يُعيد هذا الحادث الإرهابي التوتر الذي لحق بالعلاقات التركية الروسية عقب إسقاط طائرة سوخوي-24 الروسية على الحدود السورية التركية في نوفمبر من العام الماضي؟!.
وهل سيكون مقتل السفير الروسي إيذان بإعلان الحرب أو عودة التوتر في العلاقات الروسية التركية؟
بدوره، اعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب، أن اغتيال السفير الروسي ردة فعل مباشرة، نتيجة لما يحدث في سوريا والعنف الدائر في المنطقة، لافتاً إلى إمكانية وقوف تنظيم ما خلفها بهدف ضرب العلاقات الروسية التركية.
وبيّن المحلل السياسي جهاد حرب، أن هذه الجريمة الإرهابية، ستؤدي إلى تعطيل إمكانية التوصل إلى حل في سوريا والمنطقة، مشيراً إلى أنها ستعود بالسلب على استقرار سيادة تركيا في المستقبل.
من جانبه، أوضح أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي علاء أبو طه، أن جريمة الاغتيال مرتبطة بالعلاقات السياسة الثنائية، في ظل معارضة تركيا للمشروع الروسي في المنطقة، مبيّناً أن تدخلات روسيا في المنطقة محسوبة واستراتيجية وتعمل ضمن أهداف محددة.
واعتبر المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن مقتل السفير الروسي جاء كردة ردة فعل على سقوط حلب، وانتشار أفكار الجماعات المسلحة خارج حدود سوريا، مؤكداً على أن الحكومة التركية دعمت الجماعات المسلحة في كافة المجالات السياسة والأمنية والثقافية.
وأشار شراب إلى أن حادثة مقتل السفير لن تؤثر على العلاقات التركية الروسية بالمطلق، وذلك نظراً لوجود علاقات ودية تجمع الرئيس الروسي بنظيره التركي، موضحاً أن التحالف بين الدولتين سيؤدي إلى تجاوز الحادثة بأي شكل كان.
وبيّن حرب، أن الأيام القادمة ستشهد تطوراً في العلاقات بين الدولتين لمواجهة الإرهاب واستخدام وسائل جديدة لمنع تنقل المجموعات الإرهابية من سوريا إلى تركيا، وبالعكس.
ولفت أبو طه إلى أن العلاقات التركية الروسية شهدت تقارباً ملحوظاً، خاصة بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية، وتقديم روسيا المساعدة للأتراك في الكشف عن ملابسات الحادث الإنقلابي.
وأوضح عوض أن اغتيال السفير الروسي يكشف عن مقدرة الجماعات المسلحة في الوصول للأماكن الحساسة بالمنطقة، وما يعكس هشاشة الأمن التركي في نبذ العنف ومواجهة الإرهاب.
وأكد شراب على أن العلاقات بين الدولتين لن تتأثر، إلا في حال ثبت تورط جهات حكومية تركية في عملية الاغتيال، مشيراً إلى أن السيناريو الأكثر سوءاً هو قطع العلاقات بين الدولتين وإعلان حالة الاستنفار، كما حدث سابقاً في حادث الطائرة.
وقال حرب إن هذه الحادثة تُعد اختراقاً أمنياً لأجهزة الأمن التركية، الأمر الذي سيلزم تركيا اتخاذ الاجراءات اللازمة لنبذ العنف والإرهاب، خاصة أن العلاقات التركية الروسية شهدت تطوراً في الآونة الأخيرة.
واستبعد أبو طه، أن يكون للحكومة التركية أي ضلوع في هذه الحادثة، لافتاً إلى أن روسيا ستتخذ اجراءات أكثر جدية على صعيد مواجهة الإرهاب والتطرف، إضافة إلى أن تركيا ستستهل توافد الوفود الروسية إليها.
وفي ظل انقسام التحالفات الدولية إلى قسمين، الأول: "روسيا وإيران والصين وسوريا وحزب الله"، والثاني:"أمريكا والتحالف الغربي ممثلاً بفرنسا وبريطانيا وألمانيا ودول الخليج العربي"، وتأرجح تركيا بين تلك التحالفات، يضع تساؤلاً عن مدى تأثير تلك الحادثة على العلاقات بين البلدين.
وأوضح عوض أن العلاقات الروسية التركية بين البلدين لن تتأثر، كونها استراتيجية ومهمة وضرورية للطرفين، مشيراً إلى أن الطرفين سيسعيان إلى تجاوز هذه الحادثة.
وأشار شراب إلى أن الأيام القادمة ستشهد احتواءً لعملية الاغتيال ومحاولة تبريرها من الجهات التركية على أنها حالة فردية نفسية سيكولوجية، أو أن منفذ العملية له ارتباطات مع تنظيم إرهابي.
وقال حرب: "إن روسيا وتركيا مجبرتان على تجاوز هذه الأزمة وتنسيق الجهود، وذلك كونهما يسعيان إلى مواجهة التطرف في المنطقة"، منوهاً إلى أن الحكومة التركية ستتخذ اجراءات صارمة لمواجهة العنف والإرهاب، كونه يمس بسيادتها.
ونوه أبو طه إلى أن الأعمال الإرهابية لم تعد تقتصر على منطقة جغرافية بعينها، حيث أن الآونة الأخيرة شهدت هويات متعددة لمنفذي العمليات الإرهابية من مختلف دول العالم.
وشكك عوض في أن تتأثر العلاقات الروسية التركية بسبب حادثة الاغتيال، مبيّناً أن تركيا تسعى إلى توطيد علاقة روسيا مع الاتحاد الاوروبي، وبناء علاقات اقتصادية موسعة، مثلما تم تجاوز حادثة سقوط الطائرة الروسية.
ولفت أبو طه إلى أن مقتل السفير الروسي حادث إرهابي عرضي، لا يشكل أي تحدي تركي لدور روسيا في المنطقة، مؤكداً على سعي الدولتين للتعاون في الكشف عن ملابسات الجريمة.