قبل المؤتمر السابع لحركة "فتح" الذي انعقد في رام الله المحتلة في 29 تشرين الثاني الماضي، نشرت وسائل الاعلام معلومات وتحليلات أشار معظمها الى أنه سينتهي بإنجازات داخلية عدة، وسيُنهي الخلاف الشخصي والسياسي بين رئيس "الحركة" والسلطة الفلسطينية محمود عباس والمسؤول الأمني والسياسي السابق فيها محمد دحلان، الذي تحوّل لاحقاً قضائياً بعد طرد الأخير منها ومقاضاته أمام المحاكم. لكن عند انتهاء المؤتمر بعد 6 أيام، تبيّن للفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، كما للعرب المهتمين، أن بعض التوقعات المذكورة كان خاطئاً.
لماذا حصل ما حصل؟
يجيب مصدر فلسطيني واسع الاطلاع بأن التوقعات لم تنطلق من فراغ، بل من موقف عربي لأصحابه وزن مهم فلسطينياً. فالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والأردن ومصر طلبت رسمياً من "الرئيس" محمود عباس إعادة محمد دحلان الى "فتح" في المؤتمر السابع. ودوافعها متنوّعة، بعضها سياسي، وبعضها ينبع من علاقات شخصية بينه وبين مسؤولين كبار فيها، وكذلك من مصالحها. دفع هذا الطلب مصر الى نصح دحلان بإرجاء مؤتمر عام لـ"فتح" كان يحضّر لعقده على أراضيها، ريثما ينتهي المؤتمر الرسمي في رام الله، إذ قد تنتفي الحاجة إليه إذا تصالح مع عباس وعاد الى السرب الذي غادره مُكرها.
لكن عباس، يتابع المصدر نفسه، لم يقتنع بطلب الدول العربية الأربع رغم علاقته الجيدة بها، ورغم حاجته وسلطته وشعبه وقضيته إليها، ولم تنفع إغراءاتها أو ضغوطها في إزالة سلبيته تجاه دحلان. فواجهه في المؤتمر وبذل كل جهده ورصيده وتاريخه وإمكاناته وتحالفاته الخارجية والتنسيق الأمني لـ"سلطته" مع إسرائيل لمنع عودة القيادي المفصول الى الحركة. ونجح في ذلك. وهذا أمر يُحسب له رُغم أن انعكاساته العربية لاحقاً عليه وعلى القضية قد لا تكون إيجابية. فهو من جهة لم يكتف بتثبيت الطرد وجعله نهائياً، بل "ساهم" في صدور حكم قضائي عند انتهاء أعمال المؤتمر بسجنه ثلاث سنوات بتهمة "الفساد". كما رفع عليه باسم "فتح" وربما "السلطة" دعاوى أخرى. وربما يساهم لاحقاً بطريقة أو أخرى في اتهامه بالمسؤولية مباشرة أو مداورة عن اغتيال الزعيم المؤسس ياسر عرفات على يد اسرائيل، وبالسمّ، كما أجمعت التحقيقات.
ما هي الوسائل التي استعملها عباس لجعل مواجهته دحلان تنتهي في مصلحته؟ وهل يمكن القول إن دحلان انتهى؟
يجيب المصدر الفلسطيني نفسه الواسع الاطلاع بأن عدد حاضري هذا النوع من المؤتمرات كان يتجاوز الـ2000 عادة. لكنه لم يتجاوز هذه المرة الـ1411 عضوا في "فتح". إذ غاب عنه ممثلون لفلسطينيي لبنان ومصر والأردن وسوريا. كما غاب عنه للمرة الأولى ممثّل للقدس "العاصمة". ولم يمثل قطاع غزة سوى عضو واحد هو أحمد حلّس، رغم وجود قادة "فتحاويين" آخرين. وكان في إمكانهم الانتقال الى رام الله بسبب انخفاض التشنج بين عباس و"حماس". ودافع عباس، الى ذلك، كان معرفته أن حلّس معاد لدحلان ومشاكس له من زمان. فضلاً عن أن غالبية أعضاء المؤتمر كانت لعباس، فأتى بـ"لجنة مركزية" فيها 18 عضواً يوالونه. وتم تعيين قادة ذوي رمزية فلسطينية مهمة، هم: فاروق القدومي وزيراً للخارجية، وسليم الزعنون رئيساً للمجلس الوطني، وأبو ماهر غنيم أمين سر لـ"الحركة". وأتى أيضاً بمجلس ثوري موال، ونجح في تعيين شخصيات مؤيدة له أو معادية لدحلان في أكثر من موقع سياسي وأمني، وأدخل اثنين من أبنائه مواقع "فتحاوية" مهمة.
طبعاً لا يعني ذلك، يضيف المصدر نفسه، أن دحلان انتهى. فالدول العربية التي تدعمه طلبت من "حماس" تسهيل أموره وتسهيل انتقال مؤيديه الغزاويين الى رام الله. وقد تكون له فرص أفضل مستقبلاً رغم استشراس عباس للقضاء عليه نهائياً.
طبعاً يرفض المؤيدون لـ"عباس" و"فتح" الكلام المفصّل أعلاه. ويؤكدون أن غزه مُثّلت في المؤتمر بأربعة أو خمسة أعضاء، وسوريا بعضو. لكن ذلك، على أهميته، وربما على صحته، لا يلغي حقيقة أساسية هي أن ما جرى في الضفة الغربية وما يجري في غزة كرّس انقسام فلسطين ما بعد هزيمة 1967 الى كيانين، واحد لـ"فتح" ورئيسها الآن عباس وآخر لـ"حماس"، وأن ما يجري في المنطقة والعالم أدخل قضية فلسطين "سباتاً عميقاً" أو ربما "كوما" تجعلها الانتفاضات الفردية المسلّحة أو السلمية متقطّعة. فالعرب مشغولون بأوضاعهم وبمصائرهم أو مصائر أنظمتهم، وعلاقات بعضهم بإسرائيل صارت شبه علنية.
عن النهار اللبنانية