أثارت الجلسة البرلمانية، التي عقدت في مقر المجلس التشريعي، بغزة الأسبوع الماضي، مجددا، أسئلة كنا نظن أنها قد ذهبت وأنها لم تعد متداولة، ونكأت تلك الجلسة مجدداً جراحاً ومشاعر لا تسر صديقاً، خاصة أنها هذه المرة احتوت على إشارة جديدة، لم تحملها جلسات المجلس خلال الأعوام الماضية، وتحديدا منذ أن وقع الانقسام، وصار مع مرور الوقت مثل الطلاق النهائي، يحتاج إلى « محلل « حتى يمكن أن يعود طرفا ما سمي بنظام الشراكة السياسية للعودة إليه مرة أخرى.
بالعودة إلى جلسة «التشريعي» التي لم تثر الكثير من الجدل أو الاهتمام، ذلك أنها تلت العديد من الجلسات، التي اقتصرت على نواب غزة، وكانت أحيانا تشرك، في السابق، عدداً من نواب «حماس» في الضفة، دون أن تحقق النصاب القانوني لعقد الجلسات بسبب اعتقال عشرات النواب من قبل إسرائيل، حيث كانت «حماس» تضع «صور» النواب المعتقلين على مقاعد النواب في المجلس، بشكل كاريكاتوري، لكن مشاركة عدد من نواب فتح من غزة، هذه المرة، يعتبر مؤشراً مختلفاً، فأقل ما يمكن قوله إزاء ذلك، أن ليس هناك ثوابت في السياسة، وان المواقف ليست نهائية دائماً، وانه في مجرى السياسة دائما هناك تحولات وتغيرات، من لا يلحظها، يخطئ، ويخسر إن كان صاحب مشروع سياسي.
لقد تأكد مع مرور الوقت بأن قادة حركتي فتح و»حماس» إنما يديرون الانقسام، ولا ينجحون في إنهائه، هذا حتى لا نقول بأنهم راضون عنه وأنهم يفضلونه على شراكة ملتبسة بين الحركتين، والذي من جرائه، تفردت «حماس» بالسيطرة على قطاع غزة، منذ عام 2007 وحتى الآن، وتفردت فتح _ مع مرور الوقت _ بالهيمنة على السلطة والتفرد بها في الضفة الغربية.
لذا فان صوتا حمساويا من الضفة الغربية لم يعلُ، ولم يسمع منذ وقت طويل، وكأن عزيز الدويك ليس رئيس المجلس التشريعي، ولا حسن يوسف أو ناصر الشاعر، أو محمود الرمحي ولا حتى حامد البيتاوي أو صالح العاروري، ليسوا في المشهد أو ليس لهم علاقة بالحركة أو بالواقع السياسي الداخلي، ومع ترؤس إسماعيل هنية للحركة، كما هو متوقع، خلال العام القادم، تكون «حماس» قيادة وكوادر وقوة عسكرية قد انحصرت في غزة، أو صارت عمليا وفعليا الحزب الحاكم في القطاع، فيما حركة فتح، اقتربت _ خاصة بعد المؤتمر السابع _ من صورة «حماس» تلك كثيرا _ فالمؤتمر نجم عنه تمثيل معنوي لغزة في مركزية وثوري الحركة، كذلك الخارج، حيث يمكن القول بان الجسم الرئيسي للحركة، خاصة في المستوى القيادي صار من الضفة الغربية، وطبعا لهذا أسبابه ومبرراته، منها الاجتماعات، حيث هناك صعوبات في جمع من هم بالخارج وبغزة، الذين يحتاجون لموافقات إسرائيلية / حمساوية، وما إلى ذلك.
المهم، أن الانقسام تكرس بين جناحي الوطن، وعبر اكبر حركتين سياسيتين فلسطينيتين، وحيث لم تعد المكابرة بالقول بغير ذلك مجدية، فانه لا بد ونحن بصدد الحديث عن سنوات عجاف مقبلة، فقد أضيف للواقع الإقليمي السيئ، الذي لا يقدم الدعم أو الإسناد اللازم للشعب الفلسطيني ليتفوق على الاحتلال ويحقق عليه النصر بإزالته، أضيف أيضا واقع دولي صار أسوأ مع تولي الجمهوري المتشدد ترامب إدارة البيت الأبيض، وليس أدل على ذلك من ارتفاع وتيرة الحديث عن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، لا بد من إجراء وفعل حاسم داخلي فلسطيني، ينقذ ما يمكن إنقاذه، ويقلل الخسائر بحيث لا تكون _ على الأقل _ من طبيعة حاسمة، أي يمنع الأميركيين من الاعتراف بالقدس الشرقية المحتلة، عاصمة لإسرائيل، ويمنع إسرائيل من القدرة على ضم الضفة الغربية _ الأرض دون السكان _ أو على الأقل جزءا منها، ونقصد بذلك المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية.
لقد حققت إسرائيل بالتواطؤ مع عجز فلسطيني داخلي عن وضع حد للانقسام، والفشل في الشراكة السياسية بين فتح و»حماس»، في فصل ولاية السلطة على غزة والضفة معا، أو على مناطق «أ» وتشمل كل قطاع غزة، وبعض الضفة، هدفها التفرد بالضفة والقدس ومنع حل يؤدي لإقامة دولة موحدة على أراضي 67 ونجحت في دفع غزة لمستقبل مختلف عن الضفة. وحيث إن دولاً عربية تفسخت وتفككت لأنها لم تقم دولة المواطنة، ولأن الدولة الأمنية / البوليسية لا تنتج إلا دولة مشوهة، فرغم أيديولوجيا البعث القومية، انشأ حزب البعث السوري نظاماً طائفياً في سورية، كذلك كان حال «شقيقه التوأم» في عراق صدام حسين، الذي أنشأ نظاماً طائفياً سنياً، فكان ذلك سبباً في حرب طائفية، لم تنته بعد، وإن كانت في طريقها لتفكيك الدولتين على أساس طائفي.
كيف يمكن دحر الاحتلال الإسرائيلي، ما دام الحال الفلسطيني يقول «كل من إيدُه إلُه»، وهل يجدي حقاً القول إما كل شيء أو لا شيء، أبيض أو أسود، كيف يمكن دحر الاحتلال والسعي لإقامة دولة مستقلة على شاكلة الدولة العربية الأمنية / المستبدة، التي تقوم بالارتكاز على الحاكم _ الفرد / المستبد، أو تلك التي تقوم على محور الحزب الواحد التي تندحر الآن؟ صحيح انه ليس في الحالة الفلسطينية تقسيم طائفي، لكن هناك انقساماً جهوياً، له أسبابه، التي نشأت منذ عام 1948، حيث لم تتوحد غزة والضفة ضمن نظام سياسي واحد، منذ ذلك الوقت، لذا فلا بد من التفكير جدياً وبهدوء، ومن على قاعدة أفضل الموجود، وأحسن الممكن.
يمكن عبر عقد جلسات «التشريعي» الحالي العودة لنظام الشراكة، ويمكن عبر إنشاء هيئات نظام كونفدرالي، كما كنا قد اقترحنا منذ نهاية عام 2008 _ أي مع منح صلاحيات أوسع للمجالس البلدية والقروية _ أن يتم التوصل لحل لمستحيل الشراكة بين فتح و»حماس»، فمن حيث المبدأ وافقت «حماس» على حكومة مركزية يمتلك زمام أمورها الرئيس الفتحاوي، وهي حكومة التوافق بين الحركتين، لكن الخلاف نجم عن عدم تمكين تلك الحكومة من السلطة الداخلية في قطاع غزة. مع ملاحظة أن أقوى دول العالم الآن، هي تلك الدول التي تعلي من شأن القانون وتقوم على أساس دولة المواطنة، وحتى الدول ذات النظام الفدرالي _ الولايات المتحدة، روسيا، وألمانيا كنماذج _ يمكن القول بأنه يمكننا أن نفكر في هذا الأمر جديا، بهدوء ودون تطير، ذلك انه في حال ركبنا رأسنا واستسلمنا لليأس سنخسر كل شيء.