نصر رغم المرارة العربية

عبد الناصر النجار
حجم الخط

ما زال هناك بقية من ضمير عالمي حي.. ضمير دول آمنت بأن حقوق الإنسان وحريته أولوية تعلو فوق المصالح، وأنه لا مجال لمهادنة الاحتلال أو الاستيطان، بغض النظر عن الضغوط التي تمارس ضدها.
أول من أمس، صدمنا بقرار سحب التصويت على قرار يدين الاستيطان ويؤكد أن القانون الدولي لا يعترف بهذا العدوان المستمر على الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967.
إعلان التأجيل تجرعناه بمرارة وصمت؛ لأننا لسنا مؤهلين للمواجهة، لا مع إدارة ترامب ولا مع غيرها.
شعرنا بخطورة هذا «الخازوق»، الذي أُجبرنا على الجلوس عليه؛ حيث إنها الفرصة الأخيرة، وربما الذهبية، التي أمامنا لإدانة الاستيطان قبل رحيل الإدارة الأميركية الحالية؛ لأن «الفيتو» الأميركي في عهد ترامب سيكون مؤكداً.
الصحافة الإسرائيلية تحدثت عن تنفّس نتنياهو الصعداء، واستمتاعه بنشوة النصر لحظة التراجع عن التصويت في المرة الأولى، أول من أمس؛ لأن الثمن الذي ستدفعه تل أبيب أكبر وأخطر بكثير مما يتوقع البعض.
من الأخطار التي تحدثت عنها الصحافة الإسرائيلية أن القرار سيجر في المستقبل عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، وأكثر من ذلك لائحة اتهام ضدها في محكمة الجنايات الدولية.
تصف الصحافة الإسرائيلية حكومة نتنياهو، بأنها أصيبت بالذعر؛ لأنها لم تكن تتوقع الحدث، معتبرة أن هذه هي الفرصة الأخيرة للرئيس أوباما للقيام بعمل ضد المستوطنات، والتي تم الإفلات منها بقوة «الصديق ترامب»! ولكن الدول الحرة قلبت الموازين.. بحيث سيتجرع نتنياهو كأس الهزيمة.
مشروع القرار ينص على أنه لا أساس قانونياً للمستوطنات، وأن على إسرائيل أن تتوقف عن البناء الاستيطاني تماماً. كما يدعو دول العالم إلى إجراء تمييز واضح بين إسرائيل وبين المستوطنات، وأن إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، عديمة الأساس قانوناً، وتشكل خرقاً فظاً للقانون الدولي، إضافة إلى أن مجلس الأمن لن يعترف بأي تغيير يتم على خطوط العام 1967.
بعد الإعلان المصري عن تأجيل التصويت، بدت حالة من الذهول على معظم الأعضاء في مجلس الأمن، خاصة الأوروبيين...، السفير الفرنسي عبّر صراحة عن عدم رضاه عن التأجيل، مؤكداً عدم شرعية الاستيطان، وأن الموقف العالمي من الاستيطان قديم وليس جديداً.
حسب الروايات الصحافية، فإن الإدارة الأميركية الحالية، أيضاً، ربما تفاجأت من التأجيل. والأغرب أنه على الرغم من قرار التأجيل الذي جاء بناءً على ضغوط من ترامب ونتنياهو على «أم الدنيا»، فإن «تل أبيب» أعلنت فوراً تصعيداً في عمليات البناء الاستيطاني، من خلال الموافقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة. وفي الوقت نفسه طلب نتنياهو التسريع في هدم المنازل العربية في الضفة الغربية والقدس المحتلة وحتى في المناطق العربية داخل «الخط الأخضر».
أما ترامب ومستشاروه، فقد أكدوا شرعية الاستيطان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة... لهذا لا نعرف كمواطنين بسطاء لماذا تم التأجيل؟ ولمصلحة من؟ وهل أصبحت القضية الفلسطينية في ذيل أولويات العرب؛ حيث لا معنى للمشاورات العربية التي أعقبت القرار.. إلاّ تأكيد حالة التشرذم والتفتت والضعف العربية.
دائماً كنا نتحدث عن ضوء في آخر النفق، ولكن اجتزنا كثيراً من الأنفاق السياسية دون أن يلوح هذا الضوء. ولعله في نفق مشروع قرار الاستيطان اليوم لاح بقوة من دول عالمية منها: نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال، التي عاودت رفع راية التصويت من جديد، فجاء الانتصار على الرغم من كأس «المر العربي» الذي أجبرنا على تجرعه ...لأن الضمير العالمي لا يزال فيه بقية من حياة، تعلو فوق لغة المصالح، أو ضعف «بلاد العرب أوطاني»...