كابوس نتنياهو.. لقد فعلها أوباما ..!!

أكرم عطا الله
حجم الخط

من كان يعتقد أن أوباما سيبتلع كل هذه الإهانات التي وجهها له نتنياهو على مدار السنوات الماضية فهو مخطئ. منذ اللقاء الأول الذي تعاطى رئيس الوزراء الإسرائيلي فيه مع رئيس الدولة الأكبر  كشخص جاهل، وبدأ يشرح له كمعلم دروساً في السياسة الدولية، شعر الرئيس أوباما بالإهانة منذ اللحظة الأولى، ليشرح لنتنياهو جزءاً من مسيرة  حياته، عندما عاش طفلاً يتيماً وكيف تخرج من الجامعة.
ثم الغارة التي شنها نتنياهو، في آذار من العام الماضي، على الرئيس أوباما، بعقر داره في الكونغرس، متجاهلاً هيبة الرئيس، ليحرض الأعضاء على رفض سياسة الأخير عندما قرر توقيع الاتفاق مع إيران .. وما بينهما من إهانات كان من الصعب على البيت الأبيض أن يتجرعها وأن يسمح بتمريرها دون أن يوجه اللكمة الأخيرة لكل هذه الغطرسة التي انبثقت من استعلائية يمينية، لم تر في الإدارات الأميركية سوى مجموعة من الخدم للرواية الإسرائيلية.
وقد مارسوا تجاه وزير الخارجية جون كيري نفس السلوك المهين عندما أجهضوا مبادرته بالتفاوض، وصفعوا نائب الرئيس جو بايدن عندما أعلنت حكومة نتنياهو بناء 1600 وحدة استيطانية أثناء وجوده في للقدس.
منذ الصيف الماضي، ربما توارد إلى إسرائيل معلومات بأن أوباما سينتقم بعد الانتخابات الأميركية، وسيترك للفلسطينيين الذهاب إلى مجلس الأمن، وستمتنع إدارته عن استخدام (الفيتو).. هذا السيناريو الذي أطلقت عليه الصحافة الإسرائيلية «كابوس نتنياهو».
صحيح أن أوباما تمنى فوز وريثته هيلاري كلينتون ليكون هذا الإجراء مقدمة لسياسة الإدارة الجديدة، ولكن فوز ترامب أجهض كل شيء، إلا صفعة الانتقام تلك على وجه نتنياهو، التي استل الإسرائيليون إثرها سكاكينهم ضده، بعد نجاح القرار؛ ليحملوه مسؤولية كراهية العالم لإسرائيل إلى هذا الحد.
لقد تحقق الكابوس الذي مثّل واحدة من أهم اللحظات التاريخية بالنسبة للفلسطينيين، فقد حصلوا على قرار في لحظة تاريخية لن تتكرر .. إدارة تريد الانتقام، ودول صديقة في مجلس الأمن ستنتهي عضويتها خلال أيام، وربما لن نجد من يقدم قراراً شبيهاً. إدارة جمهورية قادمة، رشح منها حتى اللحظة ما يدعو للخوف، وواضح أن سطوتها على المؤسسات الدولية ستكون كبيرة وربما معادية.
تحقق الكابوس، كانت ليلة صعبة على إسرائيل، وأغلب الظن أن نتنياهو لم ينم تلك الليلة ..كان هذا مدعاة لنشوة فلسطينية في إطار الصراع الطويل مع إسرائيل، فقد ناموا على هدف كبير ومباشر في المرمى الإسرائيلي.
شكل التصويت كان مدعاة للتأمل، فالمتعارف عليه في مجلس الأمن، وعندما يتعلق الأمر بالفلسطيني، أن هناك (فيتو) أميركياً يقطع طريقهم نحو الحرية، وامتناعاً للدول الكبرى مثل: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ويبقى التصويت فقيراً إلا من بعض الدول الصديقة غير الثابتة .. لكن هذه المرة هناك تقدم كبير في الموقف الأميركي، وتقدم أكبر بكثير في الموقف الأوروبي الذي أعلن بلا مواربة نبذه للاستيطان، أي الرفض الضمني لسياسات حكومة اليمين المتطرف التي تقود إسرائيل والتي أهانت العالم كله الذي دفع ثمناً كبيراً من أجل حل الدولتين، ليكتشف أن تلك الحكومة فعلت كل شيء من أجل منع حل الدولتين.. فقد أهدرت ثروة وجهد العالم.
أول من أمس، بدت إسرائيل وحيدة، منبوذة، وبلا أصدقاء كمن تقود مركبة معاكسة في طريق باتجاه واحد، صدمت وتعرض سائقها لجروح ليس من السهل الشفاء منها، وتعرضت المركبة لضربة كبيرة.. هذا الموقف الذي تعيشه إسرائيل هو نتاج تراكم انزياحها نحو اليمين، واتخاذها سياسات متطرفة ورافضة لكل أسس السياسة الدولية التي تبلورت خلال العقدين الماضيين، بتسوية تاريخية تنهي الصراع المفتوح بين الفلسطينيين والإسرائيليين على شكل دولتين، وإذ بها تتقلب على كل ذلك وتنقض على أراضي الضفة الغربية كفريسة مستباحة بلا حماية.
القرار لن ينهي الاحتلال ولن يفكك المستوطنات ولن ينتهي الأمر بضربة واحدة، فالسياسة الدولية تجاه الفلسطينيين تسير بسرعة السلحفاة، وهذا مهم، ..المهم أنها تسير باتجاه واحد صاعد تجاه الحقوق الفلسطينية وباتجاه عزل إسرائيل، ولن تستطيع إدارة ترامب أن تحدث تغييراً كبيراً في موقع إسرائيل الدولي .. فلم يعد لها أصدقاء على مستوى العالم، فقد تركها الجميع، والرهان هنا على سياسة عمياء تصدر عن حكومة مستوطنين كفيلة باستمرار دفع إسرائيل للوراء.
ولا نستعجل القول، إن ترامب نفسه سيكتشف ذلك عندما يقترب من الملف، وحتى إن تعاطف مع إسرائيل، سيرى نفسه أنه أمام حكومة على تضاد تام مع السياسة الأميركية نفسها التي قامت في العقود الأخيرة على حل الدولتين، وهو ما يتنافى مع تركيبة حكومة إسرائيل وسياستها تماماً.
قد لا نتفق مع اجتهاد الدبلوماسية المصرية التي اعتقدت، في اللحظة الأخيرة، أن العمل مع إدارة قادمة على هذا الملف أكثر إستراتيجياً وأكثر جدوى من ضربة انتقامية؛ لأن الفلسطيني يبحث عن أي إنجاز، مدركاً أن هذا الشهر وهذه الظروف وتلك التركيبة لن تتكرر.. إنها فرصة لالتقاط اللحظة، لكن لا ننسى أن هناك إدارة جمهورية قادمة .. بعد التصويت رغماً عنها، ستسعى بالتعاون مع حكومة «تل أبيب» للانتقام من الفلسطينيين .. هذا يعني أن الدور المصري تجاه الملف الفلسطيني لم يبدأ بعد، وبالتالي فإن مصر الدولة الوحيدة التي سيكون لدورها أهمية بالغة في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في عصر ترامب وحماية الموقف.
ردود الفعل في إسرائيل كانت تعكس قيمة القرار.. فقد كان سدنة المعبد يدورون حول أنفسهم محاولين فهم ما جرى .. يا للهول..! «لقد تخلى العالم عنا».. لم تعد إسرائيل الضحية، وقد اعتاد نتنياهو أن يتجاهل الأمم المتحدة معتبراً أنها مكان معاد لإسرائيل وقد احتلها العرب والمسلمون .. لكن هذه المرة مجلس الأمن والدول الكبرى ودائمة العضوية تضرب إسرائيل في مشروعها الاستيطاني الذي يعتبر عماد هذه الحكومة وأساس تكوينها وبرنامجها السياسي.
قيمة القرار أنه يحدد الأراضي المحتلة العام 67 كأراض محرمة على إسرائيل، ويعتبرها أراضي فلسطينية، ومهما أحدثت إسرائيل من تغيرات للجغرافيا والديموغرافيا فلن تغير شيئاً ..
لقد حاولت حكومة اليمين أن تفرض أمراً واقعاً لكنها تكتشف أن الواقع الحقيقي معاكس تماماً .. فلم تخش الدول الكبرى «الصديق التاريخي لإسرائيل» من أن تقول نعم كبيرة لوقف الاستيطان كمشروع استعماري .. آن الأوان للجمه.. إنه اعتراف دولي مهم بأن كل ما فعلته إسرائيل باطل ومعاكس لرياح السلام الدولية؛ لأنه يحمل كل أركان الجريمة المكتملة .. فالجريمة والسلام لا يلتقيان، والاحتلال والسلم الدولي نقيضان يتعاركان منذ فجر التاريخ.
لكن المهم هو ترجمة هذا القرار، كأن تقرر كل دولة صوتت لصالح القرار معاقبة المستوطنات ومقاطعتها وبضائعها ووضع سكانها على قوائم الممنوعين من دخول الدول، وتحويل كل مستوطن إلى منبوذ.. القرار لا يخلع المستوطنات، هو ليس تحت البند السابع ولكن يمكن استثماره، وهذا يتوقف على الفعل الفلسطيني والفعل العربي.. القرار يشرعن مقاومة الفلسطينيين للمستوطنات.. هذا هو الأهم. إعداد برنامج مواجهة المستوطنات .. العالم معنا..!